الامن الاقتصادي في العراق، هل ستحقق خطة التنمية 2018-2022 الهدف المنشود وطنياً

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2017-10-20 19:23:47

الدكتور عمار جعفر مهدي العزاوي

باحث استراتيجي – وزارة التخطيط العراقية

 

يعد الامن من ابرز الدواعي الفلسفية التي تؤطر الدول بها حدودها السياسية والتي تضع لها الاليات الضرورية لتفعيلها والتي تتنوع بالاليات العسكرية والسياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، وفي العراق يوجد عوز حقيقيلتوفير هذه العوامل الاربعة من اجل توفير الامن بصورته المتكاملة ولهذا كل ما يرسم من سياسات امنية واقتصادية هو في الحقيقة لا يعدو عن ان يكون شيء نسبي التحقيق .

واذا ما اردنا تحليل اسباب الواقع الامني المريض في العراق، يجب علينا امعان النظر في البيئة الداخلية والخارجية، فبالنسبة للبيئة الخارجية تتمحور اهم الاسباب بالتدخلات الخارجية التي انتهزت الضعف الداخلي في العراق ونشرت الولاءات التابعة لها والمتمثلة بالأحزاب والمراكز المتعددة التسميات، اما البيئة الداخلية فابرز الاسباب فيها تعود الى الثقافات المحفزة على التكتل العنصري والطائفي والتي بالطبع تكون مدعومة من البيئة الخارجية .

ولان ما يهمنا هنا هو الامن الاقتصادي والذي يعد الهدف الاكثر اهمية بين الدول، فبالاقتصاد الامن تتمكن الدول من الحياة برفاهية وبالاقتصاد الامن تتمكن الدول من تحقيق انتعاش وتنمية واستثمارات حقيقية، وهو ما اكدته الاطروحات الاقتصادية والتنموية التي تربط بين عاملي الامن والاقتصاد بصورة مباشرة، فلا يمكن تحقيق بيئة اقتصادية دون وجود عامل الامن والاستقرار .

ولان التخطيط الاستراتيجي علم بحد ذاته ،كان من الضروري العودة اليه من اجل تمكين الدولة اقتصادياً، فقد دأبت الحكومة العراقية ومنذ عام 2010 على وضع خطط تنموية لإنقاذ الاقتصاد العراقي من التراجع وايجاد بيئة عراقية ممكنة اقتصادياً، اذ قد تم وضع خطة تنمية وطنية 2010-2014 وخطة تكميلية لاحقة لها 2013-2017، لكن كلاهما لم تتمكنا من توفير الاهداف المنشودة وتحقيق الاداء المرغوب به، ولهذا تتظافر كل الجهود حاليا الى وضع خطة تنموية جديدة 2018-2022 تحقق الاهداف التي تبتغيها الحكومة العراقية رغم التحديات الامنية الكبيرة التي يشهدها البلد .

وقد اكد الاطار العام للخطة الاخيرة والمعدة من قبل المع خبراء الاقتصاد العراقي على عدة امور، اذ قد جاء الشعار العام لها بعنوان (دولة تنموية فاعلة ذات مسئولية اجتماعية)، وقد اخذت الخطة بعين الاعتبار التحدي الامني ومحدودية الموارد المالية والعجز في تمويل المشاريع الاستثمارية وشيوع ظاهرة الفساد الاداري والتحديات الاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية في حين تم وضع اهداف عامة ووسعة في الاطار العام للخطة منها الحكم الرشيد، الشراكة بين القطاع العام والخاص، توفير بيئة استثمارية، اصلاح النظام المصرفي، رسخ الثقة بين المجتمع والدولة، الامن الانساني ..الخ .

لكن رغم ما تقدم اذا ما ارادت الحكومة العراقية تجاوز الفشل التنموي في العراق من جديدفعليها تجاوز التحديات التالية:

1 . اهداف طموحة جداً

ان الطموح هو الرغبة في تحقيق اهداف بعيدة المدى وربما تكون اعلى من المستوى المتوقع الحدوث، وبصورة عامة يكون الطموح ذا توجه تصاعدي ويكون في اغلب الاحيان يهدف الى تحقيق بعض الاهداف باقل الامكانيات، لكن الجانب المادي يبقى هو المحدد الاساس لمدى تحقق الهدف والغاية المرغوبة، وفي العراق للأسف يتجه السياسيين والاحزاب والكتل السياسية الى وضع اهداف وطموحات تفوق الواقع والممكنات المادية المتوفرة، فكما نعلم ان الاقتصاد العراقي مأزوم ومتخم بالمشاكل والقصور الوظيفي، فالريعية الاقتصادية انهكت الاقتصاد العراقي، وبواقعه الحالي لا يمكن الحديث عن نمو او استقرار او امن ثابت، فقد اكدت بيانات وزارة التخطيط العراقية، والذي تناولت مستوى العائدات من النفط الخام المنتج منذ عام 2011 وحتى عام 2015، ان مستوى العائدات كان ايجابي وقد وصل اعلاها عام 2012 وبمقدار يتجاوز 90 مليار دولار امريكي واستمر هذا الوضع الجيد حتى الصدمة الكبرى عام 2015 عندما تراجعت مقدار العائدات وبمقدار لا يتجاوز ال43 مليار دولار امريكي .

2 . الفساد الاداري

وتعد من اهم مسبباتها هو انتشار ثقافة الغنيمة لدى المجتمع والشعب العراقي خاصة اعقاب عام 2003، وقد لا نظلم الفكرة ان قلنا ان عملية النهب التي تلت الاحتلال الامريكي للعراق كانت من اكثر العوامل المساعدة على انتشار هذه الثقافة، هذا ومن جانب اخر، اصبحت هذه الثقافة مع مرور الوقت سيكولوجية طبيعية بين اغلب افراد المجتمع، فلا يستطيع أي فرد عراقي ان يقوم باي مراجعة حكومية الا وكانت هناك صعوبات وظيفية داخل المؤسسات نفسها تدفع به الى التفكير بتقديم تنازلات مالية او دفعات نقدية الى الكادر الوظيفي في سبيل تسهيل الاجراءات والمعاملات، وهو ما يتقبله الطرف الثاني باعتباره تسهيل مهمه وغنيمة يمكن الحصول عليها كاستحقاق واجب نتيجة الجهد المبذول من قبلهُ.

ولذلك فانالعلاج الامثل لهذه الظاهرة هو ايجاد بيئة تتوفر فيها عناصر مواجهة وقمع لهذه الثقافة وتحريمها، وهذا لا يعني فقط ايجاد قوانين وتشريعات تمنع هذه الاجراءات، فقد تكون هذه الاخيرة غير مأخوذ بها من قبل الكادر الوظيفي او قد يتم تهميشها، فالذي نحتاجه هو وجود ايمان بهذه القوانين قبل تشريعها والزامها وجعلها مرتبطة مع الجانب العقائدي للمجتمع، باعتبار ان مجتمعنا في اغلبه يؤمن بالعقائد بشكل كبير لا بل يجعلها اساس حياته والموجه لأغلبسلوكياته، ويتم ذلك من خلال زيادة التوعية العقائدية من قبل المراجع الدينية في المجتمع على حرمة هذه السلوكيات، والتي في اعتقادنا ستصبح صاحبة التأثير الاكبر نسبياً في هذه الظاهرة السلبية  .

3 . تاريخ تنموي متواضع وتراجع مدى الموثوقية

لقد مرت عملية التنمية في العراق بمراحل عصيبة، فالأحداث والوقائع التي عاشها العراق المأساوية والتي بدأت مع الشروع في خلق اول خطة تنموية خمسية في العراق 2010-2014 قد اثرت بشكل جوهري في افشال الاهداف التي كان من المخطط الوصول اليها وهو ما ادى الى اعلانات دولية و وطنية عن قصور في تحقيق خطة التنمية الاولى .

ومما زاد المأساة هو فشل الخطة الخمسية الثانية في العراق والتي كان من المتوقع ان تكون خطة معاكسة لسابقتها وتكون أشبهبالإصلاحية والتكميلية لسابقتها بين عامي 2013-2017، فانهيار اسعار النفط بسبب التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية وخاصة بعد عام 2013 وبسبب ان العراق من الدول الاكثر اعتماداً على مصدر النفط في اقتصاده قد ادى الامر الى تواضع تحقق اهداف الخطة الخمسية الثانية 2013-2017  .

ان المرجو من الجهات الادارية العليا المعدة للخطة الجديدة 2018-2022 هو تحقيق انجاز فعلي في عملية التنمية وتنفيذ كل المشاريع التنموية بنجاح وبصورة كاملة، لكن الفشل السابق والاختلالات والازمات التي عاشها العراق وعدم القدرة على تلافيها من قبل مخططين الخطة جعل المجتمع والمؤسسات العراقية في حالة من عدم الموثوقية بأعداد خطة خمسية جديدة ناجحة .

4 . القطاع العام .. والاقتصاد المنهك

مر الاقتصاد العراقي بتحديات كبيرة على مر التاريخ المعاصر للدولة العراقية الحديثة، لكن لم يمر بحالة من توافر التخمة المالية وتضخم الانفاق في نفس الوقت بمختلف اشكاله (الاستثماري – الاستهلاكي – التشغيلي)، اذ ان العراق عاش لحظات من الاهتمامات الدولية نحوه بعد عام 2003 بسبب الانفتاح العراقي باقتصاده على دول العالم جميعا تقريبا، خاصة انه كان هناك مجموعة من المؤسسات الحكومية الاقتصادية في العراق تدار من خلال ادارات مؤدلجة تمكن التخطيط الخارجي من تنفيذ مشاريع الهيمنة الاقتصادية والنفوذ الاقتصادي الى العراق، وقد سبب هذا الامر حالة من الترهل في القطاع العام ناهيك عن فجوة كبيرة بين الجانب التنفيذي الفعلي للمشاريع الاستثمارية التي تدار بالقطاع العام وبين الاهداف المرجوة، والذي يعود سببه الى توافر عوامل مختلفة منها انتشار ثقافة الرشوة والفساد الاداري والمحسوبية وتنفذ الاحزاب في ادارة المشاريع وتوزيع الحصص المالية من الموارد العامة بين الجهات المديرة للقطاع العام نفسه تقريبا.

لهذا تتجه اغلب المدركات الاقتصادية وخاصة من قبل ذوي الاختصاص والخبرة الوظيفية الذين عاشوا و واكبوا هذه المرحلة ان القطاع العام اصبح عبئ على الدولة في تحقيق تنميتها الحقيقية، وان افضل وسيلة لتحقيق التنمية الحقيقة في العراق والخروج من الازمة الاقتصادية الحالية هو انه يجب ان تدخل الجهات السياسية الحاكمة في حالة من (مصارحة الذات) بان القطاع العام يعيش بأوج مراحل الفشل في حياته، وانه من الواجب الزام الجهات هذه نفسها في تنفيذ الخطة الخمسية للتنمية ويمكن تحقيق ذلك بإرفاق صدور الخطة الوطنية للتنمية تشريع قانون يلزم المؤسسات والجهات المعنية بالخطة بتنفيذ المشاريع ومتابعة تحقق نتائجها بصورة حقيقة وفعلية، ناهيك عن ان افضل وسيلة لتنمية الاقتصاد العراقي هو دعم القطاع الخاص واعطائه التسهيلات والحماية الاقتصادية الكاملة ورفع عنه كل الحواجز والعقبات وتوفير التسهيلات والحد من تدخل الحكومة في تسييس الاقتصاد العراقي وادارته، وهو ما اكد عليه مفكرين الاقتصاد الحديث وخاصة فريد مان وهاك في هذا الامر .

5 . قصور البعد التنفيذي للخطط

ان المشكلة التنموية في العراق، لا تعود بالأساس الى قصور الجانبالتنظيري والتخطيطي، بقدر ما لها علاقة بقصور مرحلة التنفيذ، فالتنفيذ يكون متواضع والمتابعة غير دقيقة والتقييم فيه مراعات للأخر والتقويم عبارة عن خطط انتقادية فقط، والسبب هنايعود الى ضعف الرقابة بالدرجة الاساس، فلو وجدت هناك رقابة قوية لأصبحت المراحل المعاقبة لوضع الخطة محط الدقة والتنفيذ والالتزام، وهو ما عانى منه العراق منذ عام 2003 .

 

خلاصة القول، انه بالامكان تحقيق خطة تنموية حقيقة تامن الاقتصاد العراقي وتحقق التمكين الكامل له، لو تم اعتماد الية تعالج المشاكل التي رافقت الخطط السابقة وتعالج اهم جوانب القصور في مراحل الخطط السابقة، والتي من اهمها مرحلة التنفيذ .