رجلنا في الشرق الأوسط: الرؤیة العالمیة المربكة لمساعد ترامب، دیریك هارفي

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2017-10-20 19:22:24

لقد كان الشرق الأوسط، حتی منذ غزو صدام حسین للكویت في ۲ أغسطس ۱۹۹۰، التركیز المحوري في السیاسة الأمنیة والخارجیة الأمریكیة. تحتفظ الولایات المتحدة بقواعد عسكریة و امكانیة الوصول إلی المرافق في‌ أنحاء المنطقة. حيث یقع أكبر مركز دبلوماسي لها في العالم في العراق. قضی الدبلوماسیون الأمریكیون ساعات لا تحصی بتشجیع الدیمقراطیة في مصر ویسعی عدد أكبر بكثیر نحو صنع السلام بین الإسرائیلیین والفلسطینیین. لقد دعمت الحكومة الأمریكیة المجتمع المدني في تونس وقامت بتدریب المتمردین في سوریا. والصناعة الحربیة الأمریكیة تبیع سنویاً ملیارات الدولارات من الأسلحة إلی المنطقة.

رغم إمكانیة تغییر مزیج من القضایا والأولویات في عهد الرئیس دونالد ترامب، فمن المحتمل أن یبقی العرب، الإسرائیلیون، الإیرانیون، الكرد، والأتراك، هم الشاغل عند واشنطن. المدیر الجدید لوكالة المخابرات المركزیة لدی ترامب، مایك بومبئو، لم يذهب الى لندن، باریس، بكین او طوكیو في أول رحلة خلرجية له. بل أنه ذهب یوم الخمیس إلی العاصمة التركیة، أنقرة.

تبدو قیادات الشرق‌ الأوسط راضیة عن ترامب، رغم إستمرار عدم الوضوح التام بشأن ما قد تكون سیاساته تجاه المنطقة. حتی الآن، لقد أرسلت الإدارة رسائل مختلطة حول تسلیح الأكراد السوریین في القتال ضد التي أعلنت عن نفسها بإسم الدولة الإسلامیة (داعش). كما أنها منعت دخول المواطنین من سوریا، لیبیا، العراق، السودان، الیمن، والصومال (جمیعهم من أعضاء جامعة الدول العربیة) وإیران ایضاً إلی الولایات المتحدة.

بالإضافة إلی ذلك، لقد خفّفت إدارة ترامب الموقف الأمریكي إزاء المستوطنات الإسرائیلیة؛ شنّت غارة علی القاعدة في ‌الجزیرة العربیة في معقلها في ‌الیمن والتي لم تَسر بشكل جید ووضعت إیران في (مركز التوجهات)، رغم أن لا أحد یعلم ما معنی ذلك. كل هذه الغزوات المبكرة في الشرق الأوسط معاً، تشكل تنفیذ حفنة من الوعود الإنتخابیة المشتتة، بدلاً‌ من أن تكون اجزاء لمنهج مدروس‌ بشكل جید بخصوص المشاكل والتحدیات الكثیرة في المنطقة.

في الأسبوع الماضي، قال مایكل فلین، مستشار الأمن الوطني لدی الرئیس، إلی دیفید ایغناتیوس من واشنطن بوست، أن ترامب سوف یسمح للوزارات الخارجیة، الدفاع، والمالیة، وكالة المخابرات المركزیة وباقي أجهزة السیاسة الخارجیة والأمن الوطني بالقیام بعملهم، وبأن یعمل مجلس الأمن القومي بدور تنسیقي. من المفترض أن تسیر الأمور علی هذا النهج، وحيث كان الرؤساء السابقین یمیلون إلی تركیز صنع القرار في ‌البیت الأبیض وفي ‌كادر مجلس الأمن القومي. قد لا یكون ترامب، الذي بات واضحاً بأنه یفضّل مجموعة صغیرة من الأوفیاء الموثوقین في تقدیم المشورة له، مختلفاً من هذه الناحیة.

لقد كان فلین، أحد هؤلاء المستشارین، صریحاً في عدم ثقته بإیران، إنتقاده لطریقة اوباما في التعامل مع العراق، و إعلانه المشهور بأن “الخوف من المسلمین هو عقلاني” فلین، كمستشار الأمن القومي، مسؤول عن مراقبة كل العالم، بقدر ما یبقی الشرق الأوسط مهیمناً علی السیاسة الخارجیة الأمریكیة. دون شك، هو سوف یشكّل ما تفعله واشنطن في المنطقة، لكن تركیزه سیكون مقسّماً. لذلك، لقد تم تسلیم مهمة إدارة سیاسة الشرق الأوسط في إدارة ترامب إلی عقید متقاعد في الجیش الأمریكي یسمی (دیریك هارفي).

هارفي، غیر المعروف في خارج الحلقات العسكریة والإستخباراتیة المرتبطة بالعراق وأفغانستان، كان مستشاراً للجنرال دیفید بترایوس في السابق. بدلاً من الخدمة في القتال، كان هارفی ضابط إستخبارات في منطقة‌ خارجیة وهو الذي أبدع في الظروف الصعبة أثناء فترة الإحتلال الأمریكي للعراق. و كان من المؤیدین الأوائل ل‍(زیادة عدد القوات الأمریكیة) في 2004 حتی 2008 في العراق، والتي بشكل مؤقت قلبت إنحدار البلاد في عنف وتشرذم شامل.

وفقاً لمشاركاته المختلفة في النقاش السیاسي بشأن العراق في المطبوعات مثل وول ستریت جورنال، ویكلي ستاندرد، و CNN.com، من الواضح أن هارفي یفهم الدینامیكيات السیاسیة والإجتماعیة العراقیة. بالتأكید هو في مركز القضیة بالضبط وهو یلوم الرئیس باراك اوباما بسبب حالة العراق المحفوفة بالمخاطر. من وجهة نظر هارفي، لو إتّخذ الرئیس السابق الأمریكي مصلحة في العراق، لكانت المكاسب التي حصلت بشق أنفس العراقیین والأمریكیین اثناء وبعد زیادة عدد القوات، جلبت الأستقرار وقلّلت من الإختلال الوظیفي الذي تتسم به السیاسة العراقیة.

بهذا یقف هارفي بالضبط في داخل تیار النقاشات الفكریة الرئیسیة بشأن القرار الأمریكي بشن الحرب في مارس 2003 وإنسحاب القوات المقاتلة من العراق في دیسمبر ۲۰۱۱. في ما یتعلق بإیران، رسم هارفي نهجاً متشدداً، و یوجد لهذا الإتجاه قدراً لا بأس به من الدعم من قبل الحزبین في واشنطن. لكن، حینما یحوّل إنتباهه إلی القضایا الأخری، یغرق في إفتقار مقلق للمعلومات بشأن المنطقة التي هو الآن المسؤول الأساسي عنها. وغني عن القول، أن هذا المزیج هو سیئ بالنسبة للسیاسة الأمریكیة الشرق اوسطیة.

یشترك هارفي‌ مع ترامب في الإعتقاد بأن من أجل إنتصار الولایات المتحدة في قتالها ضد من تسمّي نفسها الدولة الإسلامیة (داعش)، القاعدة، فروعهما المتعددة، و مجموعة منوّعة من المجموعات الأخری، ینبغي أن یعلن المسؤولون الأمریكیون بأن البلد في‌ حالة حرب مع (التطرف الإسلامي الرادیكالي) او (الأجندات الجهادیة الرادیكالیة) او (الإسلام المتطرف)- والتي یستخدمها هارفي كلها بدلاً عن بعضها البعض. علی موقعه الإلكتروني، الذي قام بإغلاقه منذ إنضمامه إلی إدارة ترامب، ناقش هارفي، أن فشل اوباما في القیام بذلك أعاق الجهد ضد مثل هذه المجموعات.

المنطق الكامن لدی العقید هنا واضح إلی حد ما. من خلال تعریف (التطرف الإسلامي‌ الرادیكالي) بإعتباره مشكلة، تُقدّم الولایات المتحدة قضیتها بطریقتین مرتبطتین: اولاً، تفصل أقلیة الرادیكالیین العنیفین عن الأغلبیة العظمی من المسلمین الذین لا یرتبطون بشيء مع العنف. ثانیاً، توضّح سعة وعمق التحدي الأیدیولوجي الذي یواجه الولایات المتحدة. هذه الصیغ في غایة الجاذبیة لكن فقط بسبب تبسیطه لما هو معقّد في الواقع. عليه فهذه الصیغ لا تعكس الواقع.

هارفي یستخف في كیفية تاثير عبارات (التطرف الإسلامي الرادیكالي) و(الإسلام المتشدد)، وانها هجومية بشدة ومثیرة للمشاكل من الناحیة السیاسیة بالنسبة للمسلمین الذین یخشون بأن هذه العبارات تقلّل جوهر دینهم إلی مستوی العنف. الإصرار علی إثارة التطرف الإسلامي الرادیكالي بدلاً من أن یكون خطوة عملیة لقتال الذین یستخدموا الإسلام لتبریر عنفهم، الأمر الذي لیس غیر معروف في تاریخ المسیحیة، الیهودیة، والمعتقدات الأخری، هو عامل تقسیم وتفوح منه رائحة إسلاموفوبیا الیمین الكریهة.

أبعد من هذه المشكلة الكبیرة، هارفي لم یقل لقرّاءه لماذا صیاغة العبارات تساعد في الإنتصار في المعركة. ما الخطأ في تسمیة أعداء أمریكا بما یسمی الأعداء أنفسهم؟ ألم یكن من الأصح أن نقول بأن الولایات المتحدة في قتال خاصة ضد الدولة الإسلامیة، القاعدة، بوكوحرام وأخرین؟ إستخدام هذه الأسماء الصحیحة لا ینكر أیدیولوجیتهم، والتي دون شك، في صراع كوني مع قیم، مبادئ، ومعاییر الغرب.

فيما یتعلق بـ (هارفي)، رغم إدعاءه بضرورة تحدید عنوان التطرف الإسلامي ‌الرادیكالي، لكنه لم یقل بأن هذا یكفي. حل المشكلة المتمثلة في داعش، القاعدة، والآخرین، برأیه، هي قوة النیران الأمریكیة وحرب الأفكار علی حد سواء. كلا الموقفین ذا شرعیة. من أجل تصعیب الأمر علی هذه المجموعات التي تعیث الفساد في أنحاء العالم، هناك حاجة إلی القوة العسكریة. لكن من أجل هزیمة رؤیة ابوبكر البغدادي‌ العالمیة، توجد حاجة إلی بدیل جذاب. یفترض هارفي بما أن الولایات المتحدة هزمت الفاشیة والشیوعیة، فإن بإمكانها القیام بهذا النوع من الدور مرة أخری.

هذا یبدو غیر محتمل. المعركة الأیدیولوجیة مع المروّجین لأظلم التفسیرات عن الإسلام تجري بشكل أفضل من قبل المسلمین. جهود واشنطن غیر المثمرة بعد الحادي ‌عشر من سبتمبر في روایة القصة الأمریكیة وتعزیز (الإسلام المعتدل) یجب أن تكون بمثابة حكایة تحذیریة. بالتأكید، بإمكان صنّاع القرار السیاسي في واشنطن التعلّم من أخطاء الماضي، لكن إعادة تجهیز رسائل واشنطن او استراتیجیتها الرقمیة سوف لا تكسب المعركة ضد التطرف، خاصة ‌حینما تكون الإدارة التي یعمل لها هارفي تمنع المسلمین من سبعة بلدان، من الدخول إلی الولایات المتحدة. الصراع مع المجموعات المتطرفة هي معركة دینیة وسیاسیة قلّما یفهمها الأمریكیون.

ومن ثم توجد مسألة بشأن مَن هم حلفاء امریكا، او قد یكونوا، في الحرب ضد التطرف. لا یبدو أن بإمكان هارفي تقریر من هو الحلیف ومن لیس حلیفاً للولایات المتحدة. یبدو أن هذا الخلط یحدث حینما یتخلی عن عدم التحیز المهني لدی المحلل لصالح الحماس الأیدیولوجي. في كتابة له علی موقعه الإلكتروني في ینایر ۲۰۱۵، ینتقد العقید إدارة اوباما بشدة – بكثیر من علامات التعجب – بسبب تقویض علاقات واشنطن مع ثلاثة من الحلفاء المهمین: العربیة السعودیة، مصر، وإسرائیل. لكن بحلول نهایة العام، هاجم السعودیین في The Weekly Standard بإعتبارهم مروّجین للتطرف الإسلامي الرادیكالي الذي یقول هارفي أن الولایات المتحدة في‌ حالة حرب معه.

یجب أن یغیّر المحللون رأیهم عندما تأتي معلومات جدیدة، لكن الإتهامات التي یطرحها هارفي ضد السعودیین هي بوضوح أخبار قدیمة. من المفترض أنه یعرف عن تاریخ المملكة الطویل بالصلات مع الأصول والأیدیولوجیة الإسلامیة المتطرفة حینما حمّل اوباما مهمة تعرض العلاقات مع آل اسعود قبل ۱۱ شهر. إذاً ما سبب التغییر؟ هذا لیس واضح بشكل تام، لكن یبدو أن الخطابین المطروحین هنا یرتبطان بالمکان الذي یضع هارفي نفسه فيه علی الطیف السیاسي، اكثر من  التقییم الموضوعي للمعلومات الموجودة أمامه.

وفي مقال آخر، تحسّر هارفي علی الواقع بأن قوة إقلیمیة مثل تركیا خسرت الثقة بالولایات المتحدة خلال سنوات إدارة اوباما. فهو یحدّد حكومة أنقرة بإعتبارها حلیفاً ضد المتطرفین، بما في ذلك الإخوان المسلمین. هذا أمر غریب للغایة، نظراً إلی الواقع بأن الأتراك، بدایة، غضّوا الطرف عن الجهادیین الذین إستخدموا اراضیهم لشن الحرب ضد الرئیس السوري بشار الأسد ولاحقاً، نسّقوا مع المجموعات المتطرفة في سوریا.

ایضاً یبدو أن هارفي نسي الواقع بأن الحكومة التركیة فتحت ابوابها للكثیر من اعضاء اخوان المسلمین بعد الإنقلاب العسكري في یولیو ۲۰۱۳ في مصر والتي أخرجت محمد مرسي الإخواني من القصر الرئاسي، ووفرت للأعضاء المخلوعین الساحة لكي یشوهوا صورة الزعیم المصري الجدید، عبدالفتاح السیسي. ومع ذلك یبدو أن هارفي یحب السیسي، مشیداً بموقف الرئیس المصري العام المعارض للتطرف، الأمر الذي یمنح الیمین الأمریكي بسببه الكثیر جداً والیسار الأمریكي القلیل جداً من الفضل إلی السیسي.

بغض النظر عن ذلك، لیست مصر تلك القوة الإقلیمیة للإستقرار مثلما كانت سابقاً، حتی وإن قمنا، كما یقوم هارفي، بالنظر إلی العالم بشكل تام تقریباً من حیث القتال ضد التطرف الإسلامي.

من أجل صنع سیاسة خارجیة جیدة، یحتاج المسؤولون إلی إفتراضات جیدة بشأن العالم. المخاوف الأساسیة لدی دیریك هارفي هي بشأن القتال ضد التطرف؛ إحتواء إیران، التي هي قوة ثوریة؛ ومستوی الإستثمار الأمریكي اللازم لإرساء الإستقرار في العراق هي مشتركة علی نطاق واسع بین المختصین والمحللین. مع ذلك، أفكاره الأساسیة حول كیفیة التوصل إلی هذه الأهداف هي إمّا مشوشة، فاقدة للمعلومات وإما مثقلة بالأیدیولوجیة غیر المفیدة. التطور الوحید الذي ینذر به هذا هو الإحباط المستمر بالنسبة للولایات المتحدة، والتي تبدو عالقة إلی الأبد في الشرق الأوسط بغض النظر عمن یشغل البیت الأبیض.