هل تنضج الظروف لدولة كردیة عراقیة؟

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2017-10-20 19:19:26

لقد خلق فشل العراق، إنهیار سوریا والتغییرات في تركیا، الفرص للكرد في جمیع البلدان الثلاثة. قد لا يكونوا تماماً صانعي الملوك حیث تباهی البعض بأنهم قد یصبحون كذلك، لكن القوة السیاسیة والعسكریة الكردیة هي عامل متنامي في جیوسیاسة الشرق الأوسط. لم تنتج تحدیات فریدة من نوعها فقط ، بل ایضاً إمكانیات جدیدة للسیاسة الأمریكیة في المنطقة. كما یشكل الرئیس المنتخب دونالد جي. ترامب إدارته وینظر المسؤولون نحو الشرق الأوسط إلی ابعد من معارك ضد ما یسمی بالدولة الإسلامیة (داعش) في الموصل والرقة، سوف یتوجّب علیهم المصالحة مع الكرد، حیث البعض منهم عازمون على إستخدام نفوذهم الجدید والتطورات السیاسیة من حولهم من أجل الدفع نحو كردستان ذات سیادة.

من غیر المحتمل أن یتفهم حزب الإتحاد الدیمقراطي السوري (PYD) او قوته القتالیة (وحدات حمایة الشعب (YPG))، او حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) اهدافه في إقامة الدولة، لكن قد یكون أكراد العراق في موقع ممتاز اكثر بكثیر للضغط نحو الإستقلال. تبقی هناك عقبات كبیرة بالنسبة للكرد العراقیین، لكن تركیبة عدم الإستقرار الإقلیمي، تحریر الموصل القادم ووضع السیاسة العراقیة قد یساعد في تقدم الأهداف التاریخیة لدی الزعامات الكردیة.

أكراد العراق

خلال عامین ونصف منذ إجتیاح الدولة الإسلامیة (داعش) للموصل، تحدثت القیادات الكردیة العراقیة، خاصة رئیس حكومة إقلیم كردستان (KRG)، وبشكل صریح عن (فشل العراق) وأشاروا إلی النیة بالمضي قدماً نحو الإستقلال بالنسبة لمحافظاتهم الثلاث، التي سوف یتم إدارتها من عاصمة حكومة إقلیم كردستان، أربیل. في فبرایر ۲۰۱6، أعلن البارزاني إن “وجود الشعب الكردي في الشرق الأوسط هو واقع والكرد، كما جمیع الشعوب الأخری، قادرون علی الحصول علی حقوقهم والإستفادة منها. هذه حقوق طبیعیة وممنوحة من الله ولا یمكن إنكارها بأي حجة”.  بالطبع،  لم یتحقق الإستفتاء علی الإستقلال الذي وعدت القیادات الكردیة به. ورغم أن تصریحات البارزاني غالباً ما تبدو صریحة، لكنها في معظم الأحیان ملیئة بالتحذیرات وقصیرة في التفاصیل. هذا یعني أنه ومستشاریه قد یرغبون اكثر في التهدید بالإستقلال من إحراز التقدم في المصالح الأخری.

في مقدمة كل ذلك، فان وضع منافسي البارزاني في الحزب الدیمقراطي الكردستاني (KDP) في موقف دفاعي. الحركتان السیاسیتان الكبیرتان الأخریتان في داخل المنطقة ذات الغالبیة الكردیة في ‌العراق، الإتحاد الوطني الكردستاني (PUK) وغوران او (حزب حركة التغییر)، في موقف دفاعي ايضا.

یتعاون الحزب الدیمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني المتنافسان منذ زمن بعید، في إدارة‌ حكومة إقلیم كردستان، رغم أن ذلك یجري بشكل غیرمریح في معظم الأحیان. غوران، فرع من الإتحاد الوطني الكردستاني، ظهر نتیجة الإحباط من الفساد المزعوم في حكومة إقلیم كردستان وهیمنة الحزبین المؤسسیْن بشكل افضل. لقد أغلق الطریق امام الثلاث بأجمعهم في المواجهة بشأن تمدید فترة‌ رئاسة البارزاني والوعود غیر المحققة بالإصلاح السیاسي. فعندما یدعو البارزاني الى الإستقلال، یستفز السیاسیین الكرد الآخرین لمعارضته، الموقف الذي قد یكلفهم من الناحیة السیاسیة. لا یعارض كل من الإتحاد الوطني الكردستاني‌ او غوران الإستقلال، لكن الإتحاد الوطني الكردستاني ‌علی وجه الخصوص یختلف مع الحزب الدیمقراطي الكردستاني بشأن ظروف إستقلال الإقلیم الكردي. السبب هو أن قیادات الإتحاد الوطني‌ الكردستاني لا ترید هیمنة البارزاني ‌وحزبه علی دولة كردیة جدیدة.

الكرد ایضاً، طرحوا فكرة الإستقلال لكسب النفوذ في العدید من القضایا، بما في ذلك الصادرات النفطیة وحصة حكومة إقلیم كردستان من إیرادات العراق، مع الحكومة المركزیة العراقیة‌. القیادات العراقیة‌ قاومت ولفترة طویلة الإستقلال الكردي، خاصة منذ أن طالب الكرد بإدراج إقلیم كركوك الغني‌ بالنفط ضمن دولتهم. لقد عارضت بغداد ایضاً الإستقلال الكردي من المبدأ، وإعتبرته إهانة للقومیة العراقیة والعربیة.

في الواقع، رغم تصریحات البارزاني‌ حول الإستقلال، القتال ضد الدولة الإسلامیة‌ (داعش)، قرّب حكومة إقلیم كردستان إلی بغداد، وإن كان ذلك من باب الضرورة فقط. طوال الصراع مع مقاتلي ابوبكر البغدادي (داعش)، شكی الكرد بمرارة – وبشكل خاطئ – بأنهم قد قاموا بالجزء الأكبر من القتال. في الواقع، لقد إحتاج الكرد إلی العراق بقدر ما إحتاج العراق الى الكرد واكثر. دون بعضهم البعض، لوجد الإثنان إخراج الدولة الإسلامیة (داعش) من الموصل وشمال شرق العراق اكثر صعوبة بشكل ملحوظ. رغم عدم الثقة بین أربیل وبغداد، قامت القوات العربیة الموالیة للحكومة في العراق والبیشمركة الكردیة بإسناد بعضها البعض من ناحیة القوة البشریة، مهارة‌ القتال، والأسلحة.

أبعد من الموصل

لكن، بعد إخراج الدولة الإسلامیة (داعش) من الموصل، قد تكون الأسباب المتاحة عند الكرد أقل لبقائهم في داخل العراق. یصر المسؤولون الأكراد بأن النظام السیاسي العراقي سوف یبقی مختل وظیفیاً، وإذاً‌ فهو غیر قادر علی ضمان حقوق الأكراد. مع ذلك، لقد غیّر الأكراد موقفهم إزاء طریقة‌ إنفصال حكومة إقلیم كردستان من العراق. بدلاً من الإصرار علی المنهج الأحادي‌ الجانب، الكامن في تصریحات البارزاني خلال صیف عام 2014 وربیع 2015، یشیر المسؤولون الكرد إلی أنهم یفضّلوا خروجاً تفاوضیاً، ویستدلون بأن العلاقات الجدیة مع بغداد ستكون اساسیة لضمان كردستان مستقلة‌ مزدهرة‌ ومستقرة.

لا یبدو الطریق التفاوضي لإستقلال كردستان غیر محتمل كما كان یبدو كذلك في وقت سابق. لقد أشارت الأصوات في‌ داخل الكتلة الحاكمة‌ في بغداد، إلی أنها قد تفضّل السّماح للكرد بالمضي بطریقهم، والذي‌ قد یسمح لبغداد بالحفاظ علی ۱۷ بالمئة ‌من میزانیة الحكومة المركزیة التي خلافاً‌ لذلك لكانت تُرسل إلی أربیل (حكومة إقلیم كردستان لم تستلم ابداً‌ كامل المبلغ. هذا لیس الموقف الرسمي للحكومة العراقیة)، لكنه رغم ذلك قد یكون وسیلة جدیدة وربما مثمرة في معالجة الرغبة الكردیة بشأن الإستقلال والتي طال امدها. إن كان هذا لیصبح السیاسة‌ العراقیة، من المحتمل أن لا یكون الإستقلال الكردي مزعزِعاً للإستقرار كما یٌخشی منه في معظم الأحیان. مع ذلك، من المحتمل أن المفاوضات ستكون صعبة نظراً للإصرار الكردي علی المسك بكركوك والأراضي الأخری المتنازع علیها التي إكتسبتها حكومة‌ إقلیم كردستان منذ صیف عام 2014، حینما إنسحبت القوات الأمنیة العراقیة.

في حال إتفقت أربیل و بغداد علی إنفصال تفاوضي، قد تكون الفوائد بالنسبة للولایات المتحدة واضحة. لقد عارض صناع القرار الأمریكیین الإستقلال الكردي علی اساس أن تفكّك العراق قد یؤدي الی المزید من إراقة الدماء العراقیة، یقوّض أمن تركیا ویشعل الصراع مع ایران. ایضاً لقد جادل الكثیر من المحللین بأن الدولة الكردیة قد لا تكون مجدیة ‌من الناحیة الإقتصادیة رغم أن هذا الظرف لیس في حد ذاته عائقاً أمام إقامة الدولة. هذه مخاطر واقعیة، لكن في ظل خروج حكومة إقلیم كردستان من العراق بشكل تفاوضي، قد تتمتع واشنطن بمزید من الحرّیة في تطویر العلاقات مع كردستان دون إثارة العداء مع بغداد. كردستان المستقلة قد تحتاج إلی المساعدة العسكریة الأمریكیة اكثر بكثیر مما هو موجود من تدریب وتجهیز. ایضاً قد تحتاج إلی مساعدة إقتصادیة، نظراً‌ للعبء الثقیل لرعایة أعداد كبیرة من اللاجئین السوریین وتعرّض المالیة الكردیة إلی موجات الإزدهار والكساد في ‌اسواق الطاقة. مع ذلك، قد تتقلّص الحاجة إلی هذا الدعم بشكل كبیر دون وجود التهدید برد فعل عراقي عنیف وبالنظر إلی العلاقات التعاونیة بین حكومة إقلیم كردستان والعراق. بالإضافة إلی ذلك، قد تكسب الولایات المتحدة شریكاً یمكنه المشاركة في المصالح الأمنیة الأمریكیة في منطقة غیرمستقرة بشكل واضح.

ما تجنيه تركیا

في السنوات الثلاث التي تلت الغزو الأمریكي علی العراق، مارس 2003، اصبحت تركیا، بعد إیران، القوة الخارجیة بأكبر إحتمال للتدخل في الأمور العراقیة لمنع ظهور دولة كردیة مستقلة. لكن، منذ 2007، قامت أنقرة بتطویر علاقات سیاسیة، دبلوماسیة، وإقتصادیة قویة مع حكومة إقلیم كردستان. حزب العدالة والتنمیة (AKP) المسیطر في تركیا والحزب الدیمقراطي الكردستاني ایضاً قاما ببناء العلاقات. لأن تركیا هي‌ أكبر مستثمر في حكومة‌ إقلیم كردستان، ثاني ‌اكبر شریك تجاري، والمستفید من صادرات النفط الكردیة، لم تعد تقوم بتعریف علاقتها مع الكرد العراقیین من ناحیة التهدیدات المحتملة فقط. وقد أشارت، ولو ضمنیاً، إلی رغبتها في القبول بالإستقلال الكردي من العراق.

تنظر أنقرة إلی كرد العراق كجهة عازلة ضد عدم الإستقرار الذي یتجه نحو خارج العراق. ایضاً، لدی البارزاني والحزب الدیمقراطي الكردستاني علاقة‌ متوترة مع حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركیا جماعة إرهابیة، فضلاً ‌عن منتسبیه السوریین، حزب الإتحاد الدیمقراطي ووحدات حمایة الشعب. في الوقت نفسه تمتّع حزب العمال الكردستاني بدعم من الإتحاد الوطني الكردستاني. بسبب هذه الدیناميكیات، لقد استثمرت القیادة التركیة رأس المال السیاسي الهائل في حكومة إقلیم كردستان والبارزاني. بالنسبة‌ لتركیا. قد یمثل إستقلال حكومة إقلیم كردستان تهدیداً‌ أقل بكثیر من إرهاب حزب العمال الكردستاني والطموحات الإقلیمیة لدی حزب الإتحاد الدیمقراطي ووحدات حمایة الشعب.

إیران، بعدد سكاني بین خمسة إلی سبعة ملایین كردي، قد تبقی تعاني من عائق الطموحات التركیة. حتی إنهاء معركة الموصل، سیكون لطهران وأربیل مصلحة مشتركة في قتال الدولة الإسلامیة (داعش). لكنهم یختلفون بشأن مكانة حكومة إقلیم كردستان الشرعیة. ایران، تردد الموقف الرسمي للحكومة المركزیة، في دعم وحدة العراق وقد سعت نحو التوسّط في النزاعات بین اربیل وبغداد. تشعر ایران بقلق بخصوص التأثیر المحتمل لحكومة إقلیم كردستان مستقلة علی سكانها الأكراد المتمرّدین في بعض الأحیان، كما بشأن إمكانیة تقلیص نفوذها الإقلیمي بناءاً علی إنحیاز امریكي وتركي للدولة الكردیة. لكن یبدو من غیر المحتمل أن تقوم طهران بمعارضة إنفصال حكومة ‌إقلیم كردستان في حال اسقطت بغداد إعتراضاتها علی الإستقلال الكردي وقامت بالتفاوض بشأن تسویة مع أكرادها. كما هو الحال بالنسبة لتركیا، من المحتمل أن ایران تستوعب كردستان عراقیة مستقلة وتبحث عن طرق للإستفادة منها.

العلاقات المعقدة بین الكرد العراقیین وحكومات إیران، العراق، سوریا وتركیا، وایضاً علاقاتهم مع المجموعات الكردیة في جمیع تلك البلدان، هي في إحدی المستویات، مزعزعة للإستقرار بشكل كبیر. وفي حین یبقی الإستقلال الكردي من العراق محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للولایات المتحدة، علی مستوی أخر، قد تمثل حكومة إقلیم كردستان مستقلة، الفرص للولایات المتحدة في الشرق الأوسط الذي تغیّر بطریقة دراماتیكیة. علی أقل تقدیر، قد یوفّر لواشنطن شریكاً بدیلاً‌ لبغداد وأنقرة، حیث اثبت كلاهما بأنهما حلیفین متردّدین او غیر متكافئین في الصراع مع الدولة الإسلامیة (داعش). قد یرحب الكرد بإستثمار امریكي‌ اضافي في تطویر موارد النفط والغاز في‌ كردستان، التي قد تكون متحرّرة من تهدید العقوبات من قبل بغداد. الإستقلال ایضاً قد یعمّق العلاقات الأمریكیة مع مجتمع یرحب بشكل عام بالعلاقة مع الولایات المتحدة، في‌ منطقة‌ یكنّ فیه القلیلین الإحترام تجاه واشنطن. استقلال حكومة إقلیم كردستان قد یجعل العراق اكثر قابلاً للإدارة من الناحیة‌ السیاسیة ایضاً.

السیناریوهات الكارثیة التي یستحضرها معارضوا الإستقلال الكردي في العراق في معظم الأحیان، لم تعد محتملة كما كانت في وقت سابق. الإستقلال الكردي من العراق لم تكن نیة الولایات المتحدة خلال غزو عام ۲۰۰۳، لكن بعد مضي اكثر من عقد قد تُثبت بأنها فرصة لصناع القرار في الولایات المتحدة لضمان المصالح‌ الأمریكیة في منطقة مضطربة.