وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها في سلوك الشباب ودفعهم نحو التطرف

التصنيف: دراسات

تاريخ النشر: 2024-11-29 17:44:47

الباحث: بسيم محمد رويح

مستشارية الأمن القومي/ مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية

الكلمات المفتاحية: وسائل التواصل الاجتماعي، الشباب، التطرف .

المستخلص:

       يهدف البحث الى تسليط الضوء على وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها في تشجيع الشباب نحو التطرف، وذلك من خلال التعريف بمفهوم التطرف وأنواعه، واستعراض أسبابه ودوافعه وتفسيرها وتحليلها، فضلاً عن تقديم رؤية تحليلية لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي كإحدى أهم وسائل القوى الناعمة التي تستخدمها الدول الاقليمية أو الكبرى للتأثير في سلوك الشباب في بعض المجتمعات والدول ودفعهم نحو التطرف واشاعة الفوضى واللاستقرار في مجتمعاتهم ودولهم بغية تحقيق أهداف معينة لبعض الدول الاقليمية والدولية الداعمة للتطرف في بعض المجتمعات والدول المستهدفة .

المقدمـــــــــة:

     تعد ظاهرة التطرف من أكثر الظواهر الاجتماعية خطورة على حياة المجتمعات والأنظمة السياسية في تلك المجتمعات؛ بوصفها تستهدف المجتمعات الديمقراطية وغير الديمقراطية، المتقدمة والمتخلفة على حدٍ سواء وتعمل على شل حركتها وبنائها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني والثقافي، وتهدد تماسكها الاجتماعي وأمنها واستقرارها، ولأن الشباب هم الثروة الحقيقية لأي مجتمع أو دولة وهم الأساس الذي ترتكز عليه الدولة والمجتمع، فهم المنتجون والمستهلكون وهم المحرك الأساس لجميع أوجه النشاط البشري ومصدر قوة الدولة، أصبحوا اليوم هدفاً خبيثاً في مرمى نيران استراتيجيات كثير من الدول التي طورت من أساليب تفكيرها الاستراتيجي وأصبحت تعتمد على وسائل القوة الناعمة كبديل للقوة الصلبة لتنفيذ أهدافها الجيوبوليتيكية وتوسيع نفوذها الجيوستراتيجي خارج حدودها السياسية، ولعل التطرف ودعم الجماعات الارهابية الذي تمارسه شريحة الشباب في كثير من الدول باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي يصعب السيطرة عليها واحدة من أهم وسائل وأساليب القوة الناعمة في عالمنا المعاصر لتحقيق الأهداف والمصالح الاستراتيجية، القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى لبعض الدول المتهمة بدعم الارهاب والتطرف العالمي، والتي تستخدم شريحة الشباب وتحركها ضد الأنظمة السياسية المستهدفة والمعادية لسياستها ومصالحها لإشاعة الفوضى واللااستقرار وادخال الدولة المستهدفة وأجهزتها الأمنية ومؤسساتها المختلفة في أزمات وصراعات مستمرة بغية ثنيها عن مواقفها وسياستها المعادية لبعض الدول الاقليمية والكبرى.

     تتحدد مشكلة البحث انطلاقاً من التساؤلات الآتية: ما مفهوم التطرف؟ وما هي أنواعه؟ ما أسباب التطرف؟ كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في سلوك الشباب وتدفعهم نحو التطرف؟ ، وللإجابة على هذه التساؤلات يفترض البحث: أن التطرف من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد حياة المجتمعات والدول وبنائها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والديني، وهناك مجموعة من الاسباب الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية والنفسية وغيرها التي تدفع كثير من الشباب لانتهاج سلوك التطرف باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي تكون في الغالب بدعم من دول خارجية مغرضة بغية اشاعة الفوضى والتخريب والتدمير داخل المجتمع والدولة المستهدفة لتحقيق أهدف الدول الخارجية .

       اعتمد الباحث على المنهج الوصفي والمنهج التحليلي، لوصف ظاهرة التطرف والتعريف بأنواعها، وتحليل وتفسير أسبابها، فضلاً عن اعطاء رؤية تحليلية عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في سلوك الشباب ودفعهم نحو التطرف، وانطلاقاً من ذلك قسم البحث على ثلاث مطالب، تناول المطلب الأول: مفهوم التطرف وأنواعه، بينما ركز المطلب الثاني على أسباب التطرف، في حين استعرض المطلب الثالث تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في سلوك الشباب ودفعهم نحو التطرف، واختتم البحث بمجموعة من الاستنتاجات والمقترحات والمصادر .

المطلب الأول : مفهوم التطرف وأنواعه :

أولاـــ مفهوم التطرف لغةً واصطلاحاً:

   التطرف لغةً هو كلمة مشتقة من الطرف "طَرَف" والطاء والفاء والراء أصلان، تدل على معنيين: الأول، حد الشيء وحرفه، أو غاية الشيء ومنتهاه. أما الثاني، فراد به الحركة في بعض الاعضاء.(1)، وجاء تعريف التطرف لغوياً في معجم لسان العرب" رجل طرف ومتطرف ومستطرف: أي لا يثبت على أمر".(2)، بينما جاء التطرف في المعجم الوسيط " تطرف في كذا: أي تجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط.(3)، وفي القواميس الغربية يعرف التطرف بأنه" الافراط"، أو "عنف الوسائل المتبناة".(4)

      أما تعريف التطرف اصطلاحاً فيعرف على أنه حالة مرضية تتسم بالغلو، وضيق الأفق، والتعصب الأعمى للفكرة، ومحاولة الانتصار لها بكل السبل بما في ذلك العنف. ويعرف أيضاً بأنه اتخاذ الفرد موقفاً يتسم بالتشدد، والخروج عن الاعتدال، والبعد عن المألوف، وتجاوز المعايير الفكرية والسلوكية والقيم الاجتماعية والاخلاقية التي حددها وارتضاها أفراد المجتمع.(5)، كما يعرف التطرف على أنه الخروج أو الانحراف عن الضوابط الاجتماعية، أو القانونية التي تحكم سلوك الافراد في المجتمع، وهذا الخروج يتفاوت بين فعل يستنكره المجتمع الى فعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون.(6)

ثانياًـــ أنواع التطرف:

1ــ التطرف الديني:

  يقصد به تجاوز حد الاعتدال بالتشدد والغلو في أي فكرة أو رأي أو معتقد في الدين وكل ما يتعلق به، كذلك هو اتخاذ الفرد موقفاً متشدداً في أمور الدين دون وجود أساس ديني أو علمي أو عقلي لهذا الموقف.

2ــ التطرف الفكري:

  يقصد به المبالغة في التمسك بجملة من الأفكار السياسية أو العقائدية أو الادبية، التي يشعر من يتبناها أنه يمتلك الحقيقة المطلقة مما يخلق فجوة بينه وبين النسيج الاجتماعي الذي ينتمي إليه ويعيش فيه.(7)

3ــ التطرف الاجتماعي:

  يقصد به استجابة في الشخصية تعبر عن الرفض والاستياء تجاه ما هو قائم بالفعل في المجتمع، تعكس مجموعة من الخصائص المميزة للشخصية المتطرفة مثل: السيطرة، ضعف الأنا، وتدفع هذه الخصائص بالشخصية الى أساليب متطرفة في السلوك كالتعصب والتصلب، والجمود الفكري والنفور.

4ــ التطرف السياسي:

  يقصد به كل موقف سياسي لا يقبل أنصاره أي فرصة للحوار ولا يقبلون أي تلميح حول وجود أخطاء في فهمهم ،ويذهبون في رأيهم الى أبعد حد ممكن، اذ يميلون للمبالغة لدرجة الغلو والتشدد في التمسك فكراً أو سلوكاً، بجملة من الافكار السياسية او الاقتصادية، ويشعرون بأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة وان الجهة التي ينتمون اليها هي صاحبة الفكر المخلص والصحيح .

5ــ التطرف المظهري والدعائي:

  يقصد به إثارة الرأي العام بالخروج عن ما هو مألوف لدى العامة من ناحية المظهر كارتداء ملابس مخالفة للجمهور وقيم وقواعد المجتمع او التحدث بطريقة مخالفة من اجل جذب الانتباه او طرح مواضيع وافكار حساسة تهم المجتمع واثارة الرأي العام حولها أو تضخيم المحتوى فيها من خلال اضفاء الجانب الدعائي عليها .(8)

المطلب الثاني :  أسباب التطرف ودوافعه :   

    هناك مجموعة من الاسباب التي تدفع بعض أفراد المجتمع لا سيما شريحة الشباب الى التطرف بمختلف أنواعه ومن أهم هذه الاسباب والدوافع:

أولاـــ الأسباب والدوافع الاجتماعية:

    للأسرة والمجتمع تأثير كبير في سلوك الافراد وتنشئتهم تنشئة اجتماعية سليمة بعيدة عن مظاهر العنف والتشدد والتطرف وعدم قبول الأخر، فالأسرة والمجتمع هما المورد الذي يسقي بذرة الأخلاق لدى الأبناء، فكلما كان دورهما فاعلاً ساد الأمان والاستقرار الاجتماعي وأبتعد أفراد المجتمع عن مسالك الانزلاق والوقوع في شباك العصابات والجماعات المتطرفة.(9)

ثانياًـــ الأسباب والدوافع الاقتصادية:

      يعد الفقر من اهم الاسباب الاقتصادية التي تدفع الشباب نحو التطرف، اذ تستغل الجماعات الارهابية ظروف الفقراء الصعبة، وعدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الاساسية لذا تكون جميع هذه الظروف بيئة خصبة لتجنيدهم، فضلا عن انتشار البطالة في معظم المجتمعات، والذي أدى الى وجود حالة من الاحباط والسخط الجماعي، الأمر الذي كان له الاثر في تبني التطرف كرد عملي.(10)

ثالثاًـــ الأسباب والدوافع السياسية والأمنية:

     يعد التطرف السياسي من أكثر أنواع التطرف انتشاراً على مستوى العالم؛ ويعزى سبب ذلك الى تعدد التنظيمات الحزبية والتحول الكبير الذي يشهده العالم في عملية الانتقال من الأنظمة السياسية الدكتاتورية الى الانظمة السياسية الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية، وما للأخيرة من دور كبير في ايجاد حالة من التنوع والاختلاف في الأهداف والبرامج والايديولوجيات لتلك التنظيمات السياسية المتصارعة للوصول الى السلطة والاحتفاظ بها، فكثير من الانظمة السياسية الحاكمة عملت بما يخدم مصالحها الشخصية ومنافع منتسبي أحزابها، واهمالها وتقصيرها المتعمد في تحقيق ما تصبوا اليه شعوبها، فضلاً عن ممارستها الظلم والاضطهاد ضد شعوبها، الأمر الذي يثير حفيظة بعض فئات المجتمع ويدفعها الى سلوك سبل العنف والفوضى والتطرف لاستحصال حقوقهم. وهذا يدفع الى حالة من عدم الاستقرار والاخلال بأمن الدولة والمجتمع ككل.(11)

   ثالثاًـــ الأسباب والدوافع الدينية :

     يعد السبب الديني من أخطر أسباب الغلو والتطرف، حيث إنّه يرتبط بقضية العقيدة والإيمان والكفر، والغلو الديني، ولعل أهم اسباب التطرف الديني مسألة الحاكمية، وعدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وعند تتبع مظاهر التطرف في كثير من الدول الاسلامية نجد غالبها يرجع إلى مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا الانحراف بعدم تطبيق الشريعة أنتج انحرافاً مقابلاً، فضلاً عن انتشار الفرق التكفيرية والضالة مثل: القاديانية والبهائية والوهابية وغيرها، وتبني بعض الدول الاسلامية والغربية مناهج مخالفة للإسلام مثل: العلمانية والعولمة، وهي مناهج ضلالية، كل ذلك كان له أثر عظيم في ظهور وانتشار التطرف عند بعض المسلمين، لاسيما شريحة الشباب .(12)

المطلب الثالث : رؤية تحليلية لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على شريحة الشباب ودفعهم نحو التطرف :

       نظراً لتزايد عدد مستخدمي الإنترنت في العالم، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة الاتصال الأكثر تفضيلًا لتقديم وجهات نظر الفرد أو تعليقاته ومشاركة معلوماته، وتقاسم الكثير من تفاصيل الحياة اليومية مع قائمة أصدقائه، كما تقدم وسائل التواصل الاجتماعي كثير من خيارات الخصوصية للمستخدم، بحيث يمكن للعديد من الأشخاص المختلفين تبادل وجهات النظر والآراء والمناقشات، وهكذا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من أفضل الطرق وأكثرها جاذبية للجماعات الإرهابية وللمنظمات المتطرفة، لنشر الأفكار، وتكوين الأتباع الجدد، والتواصل مع الآخرين بشكل دائم وآمن. (13) ، إذ أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي رافدا أساسيا ومهما في تكوين الفرد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وركناً هاماً في تكوين الفرد الفكري، حيث أعطت تلك المواقع فرص كبيرة للتعبير عن الرأي وأسهمت في نشر مبادئ الديمقراطية والحرية، وقد شهد العالم العربي هذا التغيير خلال ثورات الربيع العربي قبل عقد من الزمن حين أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أداة سياسية بيد الدول الكبرى للتنظيم والتعبير والتحفيز وأداة أساسية لتشكيل الرأي العام و تعبئته لتنفيذ استراتيجيتها الجديدة وتحقيق أهدافها في منطقة الشرق الأوسط .(14) كما أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي احدى أهم وسائل القوة الناعمة لتنفيذ استراتيجيات الدول الكبرى في الدول المستهدفة بغية الضغط عليها وحثها على تغير مواقفها المعادية للدول الكبرى، وهي وسيلة خبيثة بيد الدول الكبرى التي أنتجت مواقع التواصل الاجتماعي وتسيطر عليها وتتحكم بمساراتها لنشر الفوضى وتحريك الجمهور لاسيما شريحة الشباب ودفعهم للدخول بصدام مباشر مع الاجهزة الأمنية من أجل الاخلال في النظام العام وتخريب الأمن والاستقرار في الدول المستهدفة، وخلق جماعات متطرفة دينياً، أو تقديم الدعم المادي لجماعات فقيرة واستقطابها، أو نشر أفكار تحفز الشباب على التمرد على الدولة والمجتمع والقيم الاخلاقية والاجتماعية تحت ذرائع وحجج مختلفة منها المطالبة بحقوقهم وحرياتهم الاجتماعية والاقتصادية، أو بحجة التحضر، وغير ذلك .

    إذ تعتمد كثير من الدول الكبرى على الجماعات الارهابية والمتطرفة كأداة للقوة الناعمة لتنفيذ أجندات سياستها الخارجية ومصالحها خارج حدودها السياسية، وهنا تكمن خطورة الارهاب والتطرف على المجتمعات كظاهرات اجتماعية سياسية منظمة تديرها وتسيطر عليها وتتحكم بها قوى خارجية، فالإرهاب والتطرف لا يعتمدان على استخدام القوة الصلبة لتنفيذ اجندات خارجية، بل أن جل خطورتهما تأتي من مخاطبة الفكر والعقول والسيطرة عليها بغرض هدم المستقبل في الدول المستهدفة.(15)، مستغلة في ذلك بروز أهمية مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في المجالات الاعلامية والدعائية للسيطرة على عقول الشباب وادارة أفكارهم بما يخدم الدول المنتفعة من مواقع التواصل الاجتماعي، فالشباب هم الطاقة والقوة الحيوية والمنتجة التي تعتمد عليها الدول والمجتمعات في التطور والتقدم، فبعد أن كانت مواقع التواصل مجرد وسيلة من وسائل الترفيه وتكوين الصداقات، أصبح أداة خطرة لها دور كبير في نشر المعرفة والمعلومات في المجالات السياسية .

      ويكمن الخطر الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي في تأثيرها السلبي المباشر في الأمن القومي للدول وفي استقرارها، سيما وان تلك المواقع تكون في الغالب مدعومة من دول خارجية بأدوات بشرية ارهابية ومتطرفة تهدف الى خلق أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية في دول الهدف بغية ابقاها في نطاق الفوضى والاضطرابات والصراعات الداخلية، وفي حالة من الضعف السياسي وعدم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة وحماية أمنها ومصالحا، وهو ما دعا العديد من المؤسسات القومية المهتمة بالأمن الى مراقبة هذه المواقع ودراستها ووضع الخطط الاستراتيجية للتعامل معها وذلك لان ما يتم نشرة عبر تلك المواقع من اخبار ومعلومات في الغالب ما تكون زائفة ومضللة لتحقيق أهداف وغايات خاصة، وهو ما منحها قدرة كبيرة على التأثير في الساحة السياسية واتجاهات الرأي العام وبث الافكار والاعتقادات المتطرفة وبخاصة لدى الشباب مما أدى الى حدوث اختلال اجتماعي وسياسي وأمني كبير ومن ثم فقد اصبحت هذه المواقع تستخدم لتهديد امن الدول وزعزعة استقرارها.(16)

     إن جميع الدساتير في أكثر دول العالم تحضراً وتحرراً تنص على اطلاق حرية الأفراد في ممارسة حرياتهم، ولكن في حدود القانون، والتقيد بالقانون أمر منصوص عليه في كافة الدساتير، ولأن القانون في الاسلام هو هذه الشريعة المطهرة، فإن تقييد حق الأفراد في ممارسة حرياتهم عندما يكون في حدود الشريعة يصبح أمراً طبيعياً بديهياً وموافقاً لما يجري عليه العمل في دول العالم أجمع.(17)، إذ واجهت كثير من الدول في جميع أنحاء العالم تهديد الإرهاب بسبب ظاهرة التطرف العنيف، وردًا على ذلك، نفذت كثير من الدول سلسلة من القوانين والتدابير التي تهدف إلى حماية الشباب ومنع تعرضهم لهذا التهديد، وفي هذا الصدد، خضع دور وسائل الإعلام للتدقيق، وخاصة فيما يتعلق بترويجها للتطرف وتصوير وجهات النظر المتطرفة، والتي غالبًا ما تصور أفعالها في سياق العنف الإرهابي، فهناك هجمات عنيفة تنفذها مجموعات وأفراد محددون يشار إليهم عادةً باسم المتطرفين في العديد من الدول.(18)، إذ تستخدم الجماعات الارهابية المتطرفة مواقع التواصل الاجتماعي لتمرير أجنداتها المدعومة في الغالب من دول خارجية، فتستخدم تكنولوجيا متقدمة في أنشطتها، بما في ذلك منصات الإنترنت المختلفة، ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي تقوم هذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة بالترويج والدعاية لأفكارها الأيديولوجية، وتجنيد الأعضاء الجدد وتدريبهم، والتواصل مع الأتباع والمؤيدين والجهات المانحة، ولذلك يتم التعامل مع مثل هذه الجماعات باعتبارها إرهاباً "غير تقليدي"، أو يتم توصيفها من خلال مفهوم الإرهاب الجديد.(19)، فالإرهاب ليس ظاهرة عربية أو مسلمة خالصة، كما يصورها الغرب لضرب الدين الاسلامي بل أن عدداً كبيراً من المراقبين الدوليين تحدثوا عن مسؤولية مباشرة لدول بعينها في تخليق واستغلال حركات اسلامية متطرفة لتحقيق أغراضها ومصالحا، إذ أعلن " أولدرجيخ مارتينو" نائب مدير منظمة الشرطة الأوربية أن عدد الاجانب الذين يقاتلون الى جانب التنظيمات الارهابية المسلحة في سوريا يبلغ قرابة (30 ألف مقاتل)، واشار الى أن (منظمة يوربول) الاوربية ليس لديها احصاءات دقيقة بعدد الأوربيين المتطرفين الذين قاتلوا في صفوف تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعراق، فيما أكد " روب وينرايت) مدير منظمة (يوربول) أمام لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم البريطاني أن وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي تعد أداة تجنيد ودعاية للانخراط في صفوف الحركات الارهابية المتطرفة، وان شبكة الانترنت أصبحت تستخدم بطريقة أكثر عدوانية.(20)

الاستنتاجات:

1ــ تعد ظاهرة التطرف من أكثر الظواهر الاجتماعية خطورة على حياة المجتمعات والأنظمة السياسية فيها؛ بوصفها تستهدف شريحة الشباب التي تشكل المورد الأساس للمجتمعات والدول وتعمل على شل حركتها وبنائها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني والثقافي، وتهدد تماسكها الاجتماعي وأمنها واستقرارها.

2ـــ هناك جملة من الاسباب المختلفة التي تدفع الشباب نحو التطرف، غير أن الاسباب الاقتصادية هي الأكثر تأثيراً وخطورةً، لاسيما عاملي (الفقر والبطالة) اللتان تدفعان الشباب بقوة نحو التطرف، اذ تستغل الجماعات الارهابية ظروف الفقراء الصعبة، وعدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الاساسية لذا تكون جميع هذه الظروف بيئة خصبة لتجنيدهم.

3ـــ تزايد أعداد الشباب المنخرطين في صفوف الجماعات الارهابية والمتطرفة؛ نظراً لتزايد عدد مستخدمي الإنترنت في العالم، أذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة الاتصال الأكثر تفضيلًا لتقديم وجهات نظر الفرد أو تعليقاته ومشاركة معلوماته، كما تقدم كثير من خيارات الخصوصية للمستخدم.

4ــ يكمن الخطر الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي في تأثيرها السلبي المباشر في الأمن القومي للدول وفي استقرارها، سيما وان تلك المواقع تكون في الغالب مدعومة من دول خارجية بأدوات بشرية ارهابية ومتطرفة تهدف الى خلق أزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية في دول الهدف بغية ابقاها في نطاق الفوضى والاضطرابات والصراعات الداخلية، وهو ما منحها قدرة كبيرة على التأثير في الساحة السياسية واتجاهات الرأي العام وكذلك في بث الافكار والاعتقادات المتطرفة وبخاصة لدى الشباب لزعزعة أمن الدول المستهدفة واستقرارها.

5ـــ إن الارهاب ليس ظاهرة عربية أو مسلمة خالصة، كما يصورها الغرب لضرب الدين الاسلامي بل أن عدداً كبيراً من المراقبين الدوليين تحدثوا عن مسؤولية مباشرة لدول بعينها في تخليق واستغلال حركات اسلامية متطرفة لتحقيق أغراضها ومصالحها في دول الهدف، إذ أصبحت الجماعات المتطرفة وسيلة من وسائل القوة الناعمة التي تستخدمها بعض الدول الداعمة لها لنشر الفوضى والاضطرابات والازمات في دول الهدف بغية تغيير أنظمتها السياسية المعادية للدول الكبرى .

المقترحات:

1ــ ضرورة الاهتمام بشريحة الشباب من طلبة الجامعات أو تاركي الدراسة وتوفير فرص عمل مناسبة لهم لمنع انخراطهم الى صفوف الجماعة الارهابية والمتطرفة بسبب الفقر والبطالة.

2ــ تعزيز وتفعيل دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة كل أنواع التطرف عند الشباب، وعلى الاجهزة الأمنية المختصة مراقبة وسائل الاعلام ومواقع التواصل السلبية التي تبث السموم في أفكار الشباب واغلاقها أو حضرها أو مقاضاتها قانونياً.

3ــ تفعيل دور الجامعات في مجال مكافحة التطرف والارهاب من خلال تكثيف الجهود بنشر البحوث العلمية وتكثيف المؤتمرات العلمية واقامة الدورات التدريبية والورش والندوات والحلقات النقاشية في هذا المجال، والتي من شأنها أن تقدم التوعية الكاملة للطلبة بمخاطر ظاهرات التطرف والارهاب بهدف زيادة مستوى الأمن الفكري، والتحصين عند الشباب ضد الاتجاهات السلبية والمتطرفة.

4ـــ تشريع بعض القوانين الصارمة بحق الجماعات المتطرفة التي تحاول العبث في أمن الدولة والمجتمع واستقرارهما .

هوامش ومصادر البحث:

1ــ ابن فارس أحمد بن فارس (ت395ه- 1005م)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، ط1، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1411ه-1991م، (3/477). 

2ــ ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد، لسان العرب، ج9، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1994، ص214 .

3ــ المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2004، ص577.

4ــ بنعيسى الفاضلي، أصول التطرف ومظاهره في اليهودية والاسلام، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2024، ص14.

5ــ عالية بنت أحمد بن مسفر الغاندي، التطرف الديني المعاصر: تعريفه، وأسبابه، ومظاهره، ومناهج علاجه، مجلة كلية الدراسات الاسلامية بالاسكندرية، الاصدار الأول، العدد(39)، ص352.

6ــ اسلام طزازعة، أسباب التطرف وسبل الوقاية والعلاج، مجلة جامعة الاستقلال للأبحاث، كلية الدراسات العليا والبحث العلمي، جامعة فلسطين، المجلد(6)، العدد(1)، تشرين الاول 2021، ص6.

7ــ حيدر عبد الكاظم عودة،  أنيس شهيد محمد، دور المدرسة في مواجهة التطرف لدى الشباب، عدد خاص بوقائع المؤتمر العلمي الدولي الثاني للعلوم الاجتماعية والانسانية والصرفة، المجلة العراقية للبحوث الانسانية والاجتماعية والعلمية، المجلد(3) العدد(8)، ص1030

8ــ سعد محمد حسن، تأثير التطرف على الاستقرار السياسي في العراق بعد أحداث عام 2014، مجلة ابن خلدون للدراسات والابحاث، المجلد الثاني، العدد الرابع، مركز ابن العربي للثقافة والنشر، فلسطين،2022ص644-645 

9ــ حسين عبدالله مصطفى الجبوري، التطرف: جذوره ــــ أسبابه ــــ آثاره ــــ وسائل معالجته، مجلة الدراسات التاريخية والثقافية، المجلد 11، العدد (1/ 41)، كلية التربية للبناة/ جامعة البصرة، 2019، ص407.

10ــ نجوان هاني محمود، دور اليونسكو في مواجهة التطرف وتحقيق السلام في العراق، مجلة تكريت للعلوم السياسية، (عدد خاص) مؤتمر كلية العلوم السياسية الرابع، 2024، ص268،269

11ــ حسين عبدالله مصطفى الجبوري، مصدر سابق، ص205 

12ــ اسلام طزازعة، مصدر سابق، ص9.

13ــ مجلة درع الوطن، دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الارهاب والتطرف، الامارات العربية المتحدة، 22/10/2024، الموقع الالكتروني:  https://n9.cl/0hbc9

14ــ فاطمة السالم، مواقع التواصل الاجتماعي والتطرف الفكري: دراسة على عينة من طلبة جامعة الكويت، المجلة المصرية لبحوث الاعلام، كلية الاعلام/ جامعة القاهرة، مجلد (2022)، العدد (79)، 2022ص316

15ــ وسام صلاح عبد المنعم، اتجاهات الطلاب الجامعيين نحو استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وعلاقته بنشر الفكر المتطرف بين الشباب المصري، المجلة المصرية لبحوث الاتصال الجماهيري، كلية الاعلام/ جامعة بني سويف، المجلد الرابع، العدد(1)، 2022 ص2 

 16ــ أيمن حسان، دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الفكر المتطرف، بيت الاعلام العراقي، الموقع الالكتروني: https://n9.cl/86igd

17ــ صلاح الصاوي، التطرف الديني: الرأي الآخر، ط1، الافاق الدولية للإعلام والنشر،1993 ،ص53 . 

18ــ محمد حسام الحمصي، تصورات تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على مكافحة التطرف العنيف بين طلاب الجامعة، المجلة العربية للدراسات الامنية، المجلد(38)، العدد(2)، 2023، ص221.

19ــ خالد كاظم أبو دوح، مجلة درع الوطن، مجلة عسكرية واستراتيجية، الامارات العربية المتحدة، 22/10/2024، الموقع الالكتروني: https://n9.cl/0hbc9

20ــ أحمد عدنان عزيز، العنف والتطرف في العراق مقاربات في الدوافع وسبل المواجهة، مجلة العلوم السياسية/ جامعة بغداد، العدد (61)، 2021ص179.