دور المؤسسات التعليمية في محاربة التطرف الفكري

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2024-11-26 09:00:42

 عبير حامد طالب

قسم دراسات التطرف العنيف

التطرف الفكري يمثل تهديداً حقيقياً لإستقرار المجتمعات وتماسكها، إذ يؤدي إلى إنقسامات مجتمعية تؤثر على العلاقات بين الأفراد والجماعات، ويعزز بيئة الكراهية والعنف التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية على المجتمع حاضراً ومستقبلاً .

في ظل هذه التحديات تُعد المؤسسات التعليمية واحدة من أهم الأدوات التي يمكن استخدامها لتصدي هذا الخطر ، ذلك لان هذه المؤسسات ليست فقط مكانًا لتلقي التربية والتعليم والمعرفة بل هي ايضاً تشكل بيئة مهمة وأساسية التي تسهم في تشكيل وعي الأجيال الناشئة وتوجيه سلوكهم نحو الانفتاح والتعايش مع الآخرين دون توترأو صدامات  .

والمؤسسات التعليمية تسهم بشكل كبير في تعزيزالافكار المعتدلة والتسامح و القيم الإنسانية التي تُعتبر الأساس لبناء مجتمع متماسك، من خلال المناهج الدراسية التي تركز على أهمية احترام الآخر وتعزيز مفهوم التسامح، وهذا يمٌكن الطلاب من إمتلاك قدرة أكبر على تقبل التنوع الثقافي والفكري والاختلافات، وهذا الدورلا يتوقف عند التعليم الأكاديمي وحده، بل يمتد إلى بناء الشخصية الواعية والمتزنة وذلك من خلال غرس القيم الإيجابية التي ترفض التطرف بكل أشكاله.

عندما يتلقى الطالب في المدرسة دروساً عن أهمية الاعتدال و العدل والمساواة واحترام الآخرين وحقوقهم ، فإنه ينشأ على هذه القيم التي تصنع منه شخصية واعية وقادرة على مواجهة التحديات الفكرية المحيطة به .

إلى جانب ذلك توفرالمؤسسات التعليمية مساحة لتنمية التفكير النقدي الذي يعتبر حائط الصد الأول ضد الأفكار المتطرفة، عندما يتم تعليم الطلاب كيفية تحليل الأفكار والمعلومات بشكل علمي بعيدًا عن الانحياز أو العاطفة ، وبذلك يصبح من الصعب على أي جهة متطرفة أن تؤثر وتزرع فيهم أفكاراً تتنافى مع قيم المجتمع، وإن هذا النوع من التعليم يزرع في عقول الشباب القدرة على التساؤل والتدقيق قبل تبني أي فكرة ، وهو ما يعزز مناعتهم ضد الافكار و الإشاعات والمغالطات التي تُستخدم كأدوات لنشرالفكر المتطرف .

ويؤدي المعلمون دورًا محوريًا في هذا السياق، إذ إن مهمتهم لاتكتفي لنقل المعرفة فقط بل ينبغي إن يمثلوا قدوة للطلاب في السلوك والفكر بأسلوبهم في التدريس وطريقتهم في التعامل مع القضايا المختلفة داخل الصفوف الدراسية وبالتالي  يمكنهم نقل رسالة واضحة عن أهمية وتبني الافكار المعتدلة واحترام الآخر ونبذ العنف .

كما أن وجود بيئة تعليمية قائمة على الحوار المفتوح والنقاش الحر يشجع الطلاب على التعبير عن آرائهم بحرية، ويعزز من قدرتهم على التعامل مع وجهات النظر المختلفة بروح إيجابية، مما يقلل من احتمالات تأثرهم بالأفكار المتطرفة ..

والمؤسسات التعليمية لا يقتصردورها على الجوانب الأكاديمية فقط ، بل يمتد إلى الأنشطة اللاصفية التي تؤدي دوراً هاماً في تعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية بين الطلاب، مثل النوادي الثقافية، والرحلات الجماعية، والمسرحيات التوعوية إذ تساهم في بناء روح الفريق وتغرس في الطلاب قيم التعاون والاحترام المتبادل .

كما أن تنظيم ورش عمل وندوات توعوية حول مخاطر التطرف الفكري يساعد ايضاً في رفع مستوى الوعي العام بين الطلاب، ويجعلهم أكثر إدراكاً للعواقب السلبية لهذا السلوك المتطرف على الفرد والمجتمع .

لا يمكن الحديث عن دور المؤسسات التعليمية دون الإشارة إلى أهمية التعاون بينها وبين الأسرة والمجتمع، فالأسرة تؤدي دوراً مكملاً لما تقدمهُ المدرسة والمؤسسات التعليمية ، وحين يكون هناك تنسيق وتكامل بين الجانبين، يمكن معالجة أي سلوكيات أو توجهات غير مرغوبة لدى الطلاب بشكل مبكر وفعال .

كما أن مشاركة المجتمع في جهود مكافحة التطرف من خلال الحملات التوعوية والمبادرات المشتركة يعزز من قدرة المؤسسات التعليمية على تحقيق تلك الاهداف في هذا المجال ..

ويمكن القول  إن المؤسسات التعليمية تكون بمثابة خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف الفكري، من خلال دورها في بناء وعي الأفراد، وتعزيز قيم التسامح والتعايش، وتنمية التفكير النقدي حيث هذه الجهود عندما تتكامل مع جهود الأسرة والمجتمع، إذ تساهم في بناء جيل يتمتع بالوعي والثقافة والاعتدال .