أمن الحدود بين السياسة والعسكر
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2017-10-20 19:07:30
علي المعموري
القسم السياسي
لعل من أكثر القضايا التي تؤرق أي نظام سياسي هي قضية أمن حدود الدولة التي ينضوي تحت جناحها مهما كانت تلك الدولة مستقرة ومهما كان مجتمعه متماسكا، فيبذل جهودا متنوعة عسكرية وسياسية عديدة ومعقدة في سبيل تحقيق أمن الحدود، فكيف سيكون الحال مع دولة تمر بمرحلة مضطربة وتواجه العديد من المشاكل داخليا وخارجيا؟
تبيّن الوقائع أن أمن الحدود وبقدر تعلقه بالجانب العسكري المتمثل بحرس الحدود بوصفه المسؤول المباشر عن هذا المفصل الأمني الحيوي، أو الجيش بوصفه الحامي الأكبر للدولة، ولكن في ذات الوقت فإن للجانب السياسي أهمية كبرى في هذا الشأن الخطير، إذ يستند أمن الدولة، وسلامة حدودها بشكل كبير على جملة من العوامل السياسية لعل أبرزها مدى قدرة الدولة ورسوخها في نطاقها الداخلي، وتماسك الهوية الوطنية بين أفراد المجتمع، ومدى استقرار النظام السياسي تبعا لذلك، ورسوخ المؤسسية في العمل السياسي، وهي التي تقف خلف رسم السياسات العامة داخليا وما يترتب عليها من متطلبات لرسم السياسة الخارجية، وتحديد شكل العلاقات الدولية، ونوع الاحلاف الإقليمية والدولية التي تدخل الدولة ضمنها، وهو ما يقود الى الربط بنظام الأمن الإقليمي والأمن الجماعي.
ولابد من الالتفات إلى أن الأمن الإقليمي ينصرف كمفهوم الى مجموعة من الدول يجمع ما بينها الإقليم وتسعى إلى التعاون ضمن ترتيبات معينة قد تكون رسمية او غير رسمية ضمن إطار توفر حد أدنى من المصالح لمنع أي قوى خارجية من التدخل في في ذلك الاقليم وهو يستند على بعد جيوسياسي دون اشتراط الوحدة القومية بين دول الإقليم.
على هذا، وما دام نطاق الأمن الإقليمي يتحدد بتوفر حد ادنى من المصالح فإن من البديهي ان من يحدد تلك المصالح هو النظام السياسي لكل دولة من تلك الدول الإقليمية منفردة، وفق الفلسفة السياسية التي بنيت عليها الدولة وتأسس النظام، وهنا يتضح الرابط الدقيق بين تماسك الدولة سياسيا، واستقرارها الداخلي، وطبيعة الفلسفة السياسية التي يحكم النظام السياسي المنضوين تحت ظله بموجبها، وهي من تحدد أيضا القيم التي يبني النظام سياسته الخارجية ويؤطر علاقاته الدولية والإقليمية بمفترضها، وهو ما سينعكس على ما يراه داخل في مصلحته مما يمكن أن يضمه الأمن الإقليمي من عناصر، بعبارة أوضح، في أحيان كثيرة تنطلق بعض الأنظمة السياسية من خنادق ايديولوجية في تحديد ما تراه مصلحة، بطريقة تؤدي ـ بدورها ـ دورا سلبيا في الأمن الإقليمي، تضعف التعاون بين الدول ذات الحدود المشتركة، وتجعل الرقابة على الحدود عبئا ثقيلا تتحمله القوات العسكرية المكلفة بهذه المهمة دون غطاء سياسي يوفر التعاون المشترك بما يؤدي الى تقليل الكلف العسكرية.
وعلى ذلك يمكن ان نذهب الى أن الأمن الدولي، والإقليمي كلاهما يشتدان او يضعفان تبعا للظروف الداخلية للبلد، فضعف مؤسسات أي دولة، وضعف عوامل الضبط الاجتماعي الأخرى، وانفراط العقد السياسي الضامن للرضا عن الدولة والموفر للدعم الشعبي للنظام السياسي، في ظل ضعف الهوية الوطنية، وتفاقم التناقضات الإثنية ذات الطابع العابر للحدود وانبثاقها ضمن أطر بُنى ما قبل الدولة الموازية للدولة وسلطتها، كلها مجتمعة ستقود إلى ان تضعف قدرة النظام السياسي عن إدارة أمنه العسكري مهما توفرت لديه من قدرات عسكرية فعلية، بسبب تشتت قراره السياسي، وتشضي رؤيته الاستراتيجية.
ولو أخذنا مثالا من التاريخ العراقي الحديث، سنجد بأنه بعد انضمام العراق الى حلف بغداد، أرسل الرئيس جمال عبد الناصر أحد اعضاء مجلس قيادة الثورة المصري ليثني العراق عن المضي بعضوية هذا الحلف، وحين وصل الضابط الكبير والتقى رئيس الوزراء نوري السعيد قام الأخير بنشر خريطة للعالم على الطاولة، ولفت نظر ضيفه الى بعد المسافة بين العراق والاتحاد السوفيتي بطريقة تجعل البلدين غير قادرين على ان يشكلا تهديدا فعليا لبعضهما، واستطرد موضحا أن واحد من أهم الأسباب التي حدته الى تبني حلف بغداد هو تعزيز مكانة العراق الإقليمية، وأخبره بأنه طوال الوقت الذي سبق توقيع الحلف كان الموقف التركي المطالب بضم الموصل لتركيا ثابتا، وكانت إيران تتصرف على الحدود وكأن العراق لا يملك دولة ذات سيادة بل كان الشاه يخاطب السفير البريطاني في بغداد فيما يخص الشؤون العراقية، وكل هذا توقف بعد الحلف.
وبغض النظرعن الموقف من سياسة الأحلاف أبان الحرب الباردة، فإن ما ذكره السعيد يبين بدرجة كبيرة الفرضية التي ناقشها المقال.