الأزمات الدولية في السباق إلى البيت الأبيض

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2024-08-11 10:07:41

زهير حمودي الجبوري

قسم الدراسات السياسية

مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية

2024/7/30

بالرغم من الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية دستوريا في السياسة الخارجية، إلا أن الناخب الأمريكي يعتمد في سلوكه التصويتي لانتخاب الرئيس على البرامج المحلية ومنها الوضع الاقتصادي وفرص العمل والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي والحريات الشخصية وتخفيض الضرائب وغيرها من المواضيع المحلية، بينما لا تشكل السياسة الخارجية قاعدة من الاهتمام الجماهيري تؤثر في اتجاهات وسلوك الناخب الأمريكي الا اذا أحدثت الأزمات الخارجية تداعيات مقلقة على رفاهية الشعب الأمريكي ووضعه الاقتصادي مثل الحروب والتدخلات الخارجية والأزمات الاقتصادية الدولية، ففي انتخابات عام 2014 كانت الحرب في العراق أول حدث خارجي يتصدر اهتمامات الناخب الأمريكي وهو يشاهد توابيت قتلى الجيش الامريكي تبعث من العراق إلى واشنطن فدعم الناخب الأمريكي مرشح الحزب الديمقراطي في حينها باراك أوباما  الذي ركز في برنامجه الانتخابي على سحب القوات الأمريكية من العراق مما ساهم في فوزه على منافسة الرئيس الجمهوري  بوش الابن .

واليوم مع احتدام التنافس بين مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس ومرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب للوصول إلى زعامة البيت الأبيض تظهر عدد من الملفات الخارجية المؤثرة والفاعلة في البرامج الانتخابية للمرشحين المتنافسين منها حرب غزة في الشرق الأوسط والحرب الروسية الاوكرانية والتنافس الأمريكي الصيني على النظام الدولي ومن ثم الملف النووي الإيراني لما لها من تداعيات على مكانة أمريكا الخارجية واستقرارها الداخلي الاقتصادي والقيمي .

الحرب على غزة :

مثلت حرب الكيان الصهيوني على غزة واستمرارها تداعيات على الداخل الأمريكي واحراجا للرئيس بايدن الذي كان داعما قويا لإسرائيل بالمال والسلاح والمواقف السياسية وبنفس الوقت محاولا كبح جماح أسرائيل في توسعة نطاق الحرب لكل منطقة الشرق الأوسط دون سعي جدي لأنهاء الحرب، هذا الموقف المتردد أغضب الجمهور الأمريكي وخاصة طلبة الجامعات الذين رفضوا هذا الموقف باعتباره انتهاكا لقيم الليبرالية الأمريكية ومنظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي الذي يتغنى بها الغرب، إضافة إلى تكاليف الحرب التي يتحملها دافعي الضرائب الأمريكان . ومنذ بدأ الحملات الانتخابية قفزت هذه الحرب كمادة انتخابية بين المرشحين لكسب الأصوات وتوج الخلاف بصورة جلية في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو  إلى واشنطن ولقاءه بكامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي التي رفضت الحضور إلى جلسة الكونغرس مع عدد من نواب حزبها التي ألقى فيها نتنياهو كلمته فيها وكذلك لقاءه مع ترامب مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة ويمكن تلمس ذلك في تصريحات الطرفين حول الحرب، فقد صرحت كامالا هاريس بعد لقائها مع نتنياهو (إن الوقت حان لوضع حد للحرب المدمرة والمستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من تسعة أشهر) وكذلك (لايمكننا غض الطرف عن هذه المآسي، لا يمكننا بأن نسمح لأنفسنا بأن نصبح مخدرين تجاه المعاناة، وأنا لن أصمت) لتتناغم مع مطالبات الشباب الجامعي الأمريكي الرافض لهذه الحرب وكسب أصواتهم وبنفس الوقت لضمان أصوات الجالية العربية في أمريكا خاصة في ولاية مشيغان ذات ال15 مقعد في المجمع الانتخابي، بينما جاء الرد من المرشح الجمهوري ترامب عند لقاءه نتنياهو بالقول (تصريحات هاريس كانت غير محترمة ولم تكن لطيفة مع اسرائيل، أنا في الواقع لا أعرف كيف يمكن لشخص يهودي أن يصوت لها) وهو يهدف إلى كسب تصويت الجالية اليهودية الفاعلة والمنظمة اليه في سباق الرئاسة .واعتقد أن هذا الملف وأن كان من شؤون السياسة الخارجية إلا أنه سيتحول إلى موضوعا فاعلا في البرنامج الانتخابي للحزبيين لما له من تداعيات اقتصادية وسياسية وأخلاقية في المجتمع الأمريكي

الحرب على أوكرانيا:

منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا والولايات المتحدة تقدم الاموال الكبيرة إلى أوكرانيا لمواجهة الهجوم الروسي كما سعت الولايات المتحدة بالتعاون مع حلف الناتو إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا أدت إلى أرباك أقتصادي داخلي تمثل بأرتفاع أسعار السلع العالمية التي رفعت مستوى التضخم في الاقتصاد الأمريكي وكذلك ارتفاع أسعار النفط والوقود خفض من مستوى الطلب على السلع والخدمات الأخرى، وهذا الاختلال الاقتصادي في الداخل الأمريكي يؤثر بشكل مباشر على توجهات الناخب الأمريكي، وهذا ما دفع مرشح الحزب الجمهوري هذا الملف في حملتها الانتخابية محملا الرئيس الديمقراطي بايدن مسؤولية استمرار الحرب وتكليف الميزانية الأمريكية أموالا طائلة يرى أن الأمريكان أولى بها من أوكرانيا، وقد صرح ترامب في أكثر من موقف بأنه لو كان رئيسا لم تحصل الحرب الاوكرانية وقال (سأجلب السلام إلى العالم وأنهي الحرب التي كلفت الكثير من الأرواح، وأن نوقف سحب الاموال من الموازنة ويجب أنفاقها على على الاحتياجات الملحة داخل البلد ومنع التهديدات الحقيقية للسياسة الخارجية ) وهذا الخطاب الانتخابي يلاقي تجاوبا شعبيا كبيرا وبنفس الوقت محرجا لمرشح الحزب الديمقراطي الذي يقدم الدعم المستمر لأوكرانيا حتى وصل بتزويد أوكرانيا بصواريخ - باتريوت - كما وسمحت أوكرانيا بأستخدام الأسلحة الأمريكية بضرب العمق الروسي الذي يمكن أن يوسع جغرافية الحرب وإطالة أمدها وهذا ما يسعى إلى تجنبه الشعب الأمريكي خوفا على رفاهية وضعه الاقتصادي المهتز، مما يدفع الناخب إلى التصويت لصالح ترامب رغبة في السلام والاستقرار، وسيسعى ترامب التركيز على هذا الملف في حملته الانتخابية كورقة رابحة ضد منافسه الديمقراطي المتورط بالحرب .

الملف الصيني :

يشكل الملف الصيني موضوعا انتخابيا مشتركا في برامج المتنافسين على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما دفع المتحدث باسم الحكومة الصينية إلى القول (لقد عارضنا دائما ذكر الصين في الانتخابات الأمريكية) كونه يعقد العلاقة بين الدولتين.

أصبحت الصين اليوم المنافس الاول للولايات المتحدة الأمريكية على القطبية العالمية وهي ساعية بقوة لخلق نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وهذا جذر الخلاف بين الطرفين ليبرز مرة على شكل تنافس اقتصادي وتجاري ومرة بعنوان حقوق الإنسان والحريات ومرة عسكري صريح بحجة رغبة الصين بضم تايوان اليها، ومن المؤكد أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي متفقان على مواجهة الصين والحد من نفوذها العالمي ولكنهما قد يختلفان في التكتيك وآليات التنفيذ، وقام ترامب في رئاسته السابقة بفرض رسوم جمركية على البضائع الصينية وأبقى عليها بايدن لكنها تترك مخاوف من تطبيق الصين نفس الاجراء مما يترك وضعا اقتصاديا سلبيا على الداخل الأمريكي وهذا ما يقلق الناخب الأمريكي، كما التصعيد العسكري قد ينذر بمواجهة مباشرة مع الصين لتوفير الحماية لتايوان قد يخيم شبح الحرب مرة أخرى على الولايات المتحدة وهذا ما لا يرغب به الشارع الأمريكي الرافض للحرب وهذا عامل مهم في توجهات الناخب الأمريكي الذي يدعم الرئيس الذي يجنبهم الحرب ومأساتها، وفي المحصلة يبقى الملف الصيني يمتلك مساحة جيدة من البرامج الانتخابية ومادة خلافية بين المرشحين لانها تترك أثرا على الداخل الأمريكي وموضوعا تداعياته تلامس الحياة اليومية للناخب الأمريكي .

الملف النووي الإيراني :

التعامل مع أيران وأندفاعها لامتلاك السلاح النووي مادة للاختلاف بين الحزب الجمهوري والديمقراطي في الرئاسة وفي الانتخابات أيضا، فقد عمد الرئيس الجمهوري ترامب إلى اتباع سياسة الضغوط القصوى تجاه ايران ضد مشروعها النووي وتوج هذه السياسة بالانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018 بعد أن وقعه الغرب مع طهران في عام 2015 برعاية الرئيس الديمقراطي أوباما، والذي بصفة مرشح ترامب لمنصب نائب الرئيس جيمس ديفيد فانس بأن اتفاق ايران مع أوباما كارثي وأن الانسحاب منه أفضل قرار خارجي للرئيس ترامب . كتوظيف انتخابي للحدث ورفض لسياسة الرئيس الديمقراطي بايدن الذي أتخذ المسار التفاوضي وفرض العقوبات الاقتصادية التي تلجأ أيران إلى المواءمات السياسية كطريق لحل الأزمة النووية، وتبين ذلك واضحا في معارضة بايدن مشروع مقترح القرار الذي أعدته وكالة الطاقة الذرية ضد أيران بخصوص الملف النووي حيث مارس ضغطا على بريطانيا وفرنسا  لمنع هذا الاجراء لأنه لا يرغب بالتصعيد مع أيران مع أقتراب الانتخابات الأمريكية كما نشرت ذلك صحيفة (وول ستريت جنرال) الأمريكية، كما أن أحداث غزة فاقمت من تعقيد الأزمة الأمريكية الإيرانية حيث دعمت الولايات المتحدة بشكل قوي أسرائيل بينما عارضت إيران الحرب وقدمت المساعدات العسكرية إلى فصائل المقاومة في اليمن ولبنان وسوريا والعراق إضافة إلى حماس مما أدى إلى تدخل عسكري أمريكي في بعض مناطقها كما حدث في اليمن والعراق، هذا التناقض بالمواقف تجاه الملف النووي الإيراني من المؤكد أنه يحظى باهتمام المرشحين والناخبين حيث تركز البرامج الانتخابية على التباين في المواقف أزاء الاحداث التي تشغل الرأي العام والناخب الأمريكي .

خلاصة القول أن الناخب الأمريكي يركز أكثر أهتمامه بالبرامج الانتخابية على الشؤون والمواضيع الداخلية ولكن في الانتخابات الأخيرة بدأت ملفات السياسة الخارجية تأخذ مساحة واسعة من برامج المرشحين وأهتمام الناخبين كون أن بعض الملفات الدولية تترك أثر وتداعيات على رفاهية المواطن الأمريكي وأستقراره الاقتصادي وتجلى واضحا هذا الأمر في الحملات الانتخابية لمرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي حيث تناولا في التجمعات الانتخابية والمؤتمرات الصحفية عدد من القضايا الخارجية في نطاق التنافس الانتخابي