
التنمية المستدامة: طريق الأجيال العراقية نحو المستقبل
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2024-07-04 06:19:53
قحطان الفرج الله
في العقود الأخيرة، أضحى مصطلح "التنمية المستدامة" يتردد كالنشيد في محافل الاقتصاد والبيئة والمجتمع. إنها الرؤية التي لا تقتصر على سد احتياجات الحاضر، بل تمتد بعمقها إلى ضمان أن تظل موارد الأرض كافية ومثمرة للأجيال القادمة، التنمية المستدامة هي تلك الفلسفة التي توازن بين متطلبات الحاضر وتطلعات المستقبل، دون أن تخل بقدرة الأجيال المقبلة على العيش والازدهار وترتكز هذه الرؤية على ثلاثة أعمدة رئيسية، تشكل معاً القاعدة الاساسية لمستقبل مزدهر ومتوازن: ويأتي في مقدمتها البعد الاقتصادي/الذي يسعى لخلق اقتصاد قوي ومستدام، قادر على توفير فرص العمل وتحقيق الرخاء دون استنزاف الموارد، والبعد الاجتماعي / الذي يهدف إلى بناء مجتمع عادل ومتماسك، يحظى فيه الجميع بفرص متساوية للعيش الكريم والتعليم والرعاية الصحية، أما البعد البيئي/ فيركز على حماية البيئة وصون مواردها الطبيعية، لضمان أن تبقى الأرض مكاناً صالحاً للعيش للأجيال القادمة.
بتكامل هذه الأبعاد الثلاثة، تخطو البشرية بثقة نحو المستقبل، حيث تتعانق التنمية مع الاستدامة، وحيث يصبح العيش في تناغم مع الطبيعة جزءاً من الحياة اليومية. التنمية المستدامة ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي الدعوة الصادقة للعمل المشترك من أجل غدٍ أفضل، حيث تزدهر المجتمعات، وتستدام الموارد، ويزهو الكوكب.
إن خطط التنمية الوطنية في العراق بعد عام 2003 تهدف إلى إعادة بناء البلد بعد سنوات من الصراعات والاضطرابات والحروب. هذه الخطط تشمل جهوداً لتحقيق التنمية المستدامة، والتي تُعد محوراً أساسياً في معظم مشاريع التنمية الحديثة للدول. ومع ذلك، هناك تحديات ومعوقات تواجه تنفيذ هذه الخطط منها.
البعد الاقتصادي: وله أهمية قصوى ويتطلب تحقيقه تنويعـًا في مصادر الدخل والابتعاد عن الاعتماد الكلي على النفط. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاستثمار في قطاعات أخرى مثل الزراعة، والصناعة، والسياحة، والتكنولوجيا. وهذا التنويع يساهم في خلق فرص عمل جديدة وتحقيق استقرار اقتصادي على المدى الطويل، اما البعد الاجتماعي: فيتطلب تحسين جودة الحياة للمواطنين من خلال توفير خدمات تعليمية وصحية عالية الجودة، وتعزيز العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوات بين مختلف شرائح المجتمع.
إن التعليم والتدريب يمثلان أساس التنمية الاجتماعية، حيث يساهمان في بناء قدرات الأفراد وتهيئتهم لسوق العمل. ويتضافر ذلك بشكل رئيسي مع البعد البيئي/ في استدامة الحفاظ على البيئة وحماية الموارد الطبيعية وتبني سياسات صديقة للبيئة. والحد من تلوث الهواء والماء، وتدهور الأراضي الزراعية. لذا، ينبغي تعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتشجيع إعادة التدوير للحد من الأضرار البيئية.
يواجه العراق تحديات كبيرة في مسار تحقيق التنمية المستدامة، من بينها الفساد، والاضطرابات السياسية، والنزاعات الداخلية. ومع ذلك، هناك فرص هائلة يمكن استغلالها، لعل في مقدمتها الان مشروع (طريق التنمية) الاستراتيجي.
أما الاستثمار في الطاقة البشرية الشابة التي تشكل أكثر من 60% من السكان، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية ثرية التنوع، وكذلك حسن إدارة الموقع الجغرافي الاستراتيجي، يعد بالفعل فرصة هائلة في طريق المستقبل الواعد. وقد بدأت بالفعل بعض المبادرات الناجحة للظهور بشكل جاد، من خلال الاستثمار في الطاقات الحميد كمشاريع الطاقة الشمسية التي توفر بديلاً نظيفاً ومستداماً للطاقة الكهربائية، ومشاريع إعادة التدوير التي تساهم في الحد من النفايات وتحويلها إلى موارد مفيدة وان كانت بشكل محدود لكنها يمكن ان تكون نواة حقيقية لمستقبل يشعر بأهمية الاستدامة وتنويع مصادر الطاقة غير الضارة...
ومن خلال ذلك تلعب الحكومة دوراً محورياً في تحقيق التنمية المستدامة من خلال وضع السياسات والتشريعات المناسبة، وتقديم الدعم اللازم للمشاريع المستدامة. وتقوم كذلك باشراك المجتمع المدني بشكل حقيقي فاعل في توعية الأفراد بأهمية التنمية المستدامة والمشاركة في المبادرات المجتمعية.
إن تحقيق التنمية المستدامة في العراق ليس خياراً بل ضرورة ملحة لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة. ويتطلب ذلك تعاوناً جاداً بين الحكومة والمجتمع المدني والأفراد، ورسم ورؤية واضحة لتحقيق توازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. من خلال هذا التعاون يمكن للعراق أن يخطو خطوات ثابتة نحو مستقبل مزدهر ومستدام وإن تعزيز عوامل نجاح تنمية مستدامة حقيقية في العراق يعتمد على مبادئ أساسية أهمها:
- تنويع الاقتصاد: وتقليل الاعتماد على النفط/ العراق يعتمد بشكل كبير على النفط كمصدر رئيسي للدخل. وعليه ينبغي رسم خطط استراتيجية لتنويع الاقتصاد بالاستثمار في قطاعات أخرى مثل الزراعة، والصناعة، والسياحة، والتكنولوجيا. وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وتهيئة بيئة استثمارية جذابة من خلال تحسين البنية التحتية وفي مقدمتها (البنية المصرفية، والامنية)، وتقديم حوافز للاستثمارات في قطاعات متنوعة.
- تحسين التعليم والتدريب/ وتطوير نظام التعليم والتركيز على تحسين جودة التعليم من خلال تحديث المناهج وتدريب المعلمين وتوفير بيئات تعليمية مناسبة. وتطوير مناهج التعليم المهني والتقني وتقديم برامج تدريبية متخصصة لتلبية احتياجات سوق العمل، وتطوير المهارات التقنية للشباب. وتحليل البيانات التعليمية: وتحديث معايير جودة الأداء: واستخدام البيانات المتحصلة كموجهات حقيقية لصياغة السياسات التعليمية ومتابعة أداء التعليم وتطويره،
وتقديم تقارير تفصيلية حول تقدمهما، مما يساعد في اتخاذ قرارات تعليمية مبنية على البيانات الدقيقة، من أجل تحديد الاتجاهات والاهداف المستقبلية، التي تساهم في تحسين المناهج وأساليب التدريس. وتعزيز التفكير النقدي والإبداع وتشجيع الطلاب على إجراء البحوث باستخدام الموارد الإلكترونية والمكتبات الرقمية.
- تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد/ ودعم الشفافية والمساءلة وتقليل البيروقراطية في الإدارة الحكومية من خلال تبسيط الإجراءات وحوكمتها الكترونيا، ومكافحة الفساد من خلال تطبيق القوانين ومحاسبة المسؤولين. عنها بشكل مباشر وتحديث النظام القضائي، لضمان العدالة وحماية حقوق الأفراد والمؤسسات.
- تحسين البنية التحتية/ وتطوير النقل والمواصلات وبناء وصيانة الطرق والجسور وتحسين وسائل النقل العام لتسهيل حركة الأفراد والبضائع. وتوفير الخدمات الأساسية: لتحسين خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي لضمان تلبية احتياجات السكان، وحماية البيئة واستدامة الموارد الطبيعية، وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح للحد من التلوث وتحقيق استدامة الطاقة. وإدارة الموارد المائية، وتحسينها واستخدام الطرق الحديثة في الري المعتمدة على التكنلوجيا الحديثة، وبناء السدود وتحسينها، وتوعية المجتمع بأهمية ترشيد استهلاك المياه وتعزيز برامج إعادة التدوير للحد من النفايات والحفاظ على الموارد الطبيعية.
- تعزيز العدالة الاجتماعية/ وتقليل الفجوة الاجتماعية من خلال وضع سياسات تهدف إلى تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء وضمان توزيع عادل للموارد. وتمكين المرأة والشباب: وتعزيز مشاركة المرأة والشباب في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
- الاستقرار السياسي والأمني/ والعمل على حل النزاعات الداخلية وتعزيز الاستقرار السياسي من خلال الحوار والتوافق الوطني. وتحسين الأمن من خلال تعزيز قدرات القوات الأمنية وتطوير استراتيجيات لمكافحة الإرهاب والجريمة.
- دعم المجتمع المدني/ من خلال ودعم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تعمل على تعزيز التنمية المستدامة وتوعية المجتمع. وحثه على المشاركة المجتمعية الفاعلة للمواطنين في صنع القرارات والسياسات التي تؤثر على حياتهم.
- التعاون الدولي والشراكات الدولية: بناء شراكات مع الدول والمنظمات الدولية للاستفادة من الخبرات والموارد اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة، بجمع كل هذه العوامل والعمل على تحقيقها، يمكن للعراق أن يحقق تنمية مستدامة حقيقية تضمن مستقبلاً أفضل لأجياله القادمة.