
نزوح السكان والهجرة إلى العاصمة دوافع وتحديات والتأثيرات الاقتصادية
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2024-06-24 12:52:45
يهدف هذا المقال لفهم هذه الظاهرة المعقدة للهجرة من الريف إلى الحضر ومن المحافظات الى العواصم وآثارها الاقتصادية، من خلال تحليل الدوافع والأنماط والعواقب الرئيسية للهجرة .
في الوقت الحاضر تعد هجرة سكان الريف والمدن الفقيرة مشكلة ملحة ومعقدة، لها العديد من عوامل الدفع والجذب حيث ترتبط بحركة الناس من المناطق الريفية أو بعض المدن إلى العواصم الإدارية والسياحية والاقتصادية، يمكن أن تحدث الهجرة بسبب عوامل مختلفة ، مثل الاقتصادية والاجتماعية و الصحية و التعليمية و السياسية و الأمنية و الدينية، وإن فهم الأسباب والآثار الكامنة وراء الهجرة أمر أساسي لصياغة سياسات واستراتيجيات فعالة لإدارة تأثيرها على كل من المناطق الريفية والحضرية ولهذه الهجرة عواقب اجتماعية واقتصادية وديمغرافية عميقة على المجتمع، يمكن أن تؤدي إلى تغيير في الهيكل الديموغرافي للسكان ، وزيادة في البنية التحتية الحضرية ، وزيادة البطالة والمشاكل الاجتماعية في المدن كذلك تكوين الأحياء الفقيرة ومرتع لتجار ومتعاطي المخدرات والاعمال الاجرامية بسبب النمو السكاني ، وخفض الأجور ، وسوء الصرف الصحي ، وعدم كفاية أنظمة إدارة النفايات ، ومشاكل النقل، وكذلك إلى انخفاض في عدد المناطق الريفية وتدهورها الاقتصادي، لذا يلزمنا وضع وتنفيذ سياسات وبرامج ملائمة لإدارة الهجرة. ويمكن تلخيص أهم اسباب الهجرة بعدة جوانب ابرزها الفرص الاقتصادية حيث تعد أحد الأسباب الرئيسية للهجرة هو توفر أفضل الفرص الاقتصادية المتاحة في البيئة الحضرية في العاصمة بغداد والمدن الاقتصادية مثل البصرة ومدن السياحة الدينية مثل كربلاء ، حيث تقدم هذه المدن عادة المزيد من الوظائف والأجور الأعلى مقارنة بالمناطق الريفية والمحافظات المهملة، مما يدفع الكثير من الناس للهجرة والنزوح بحثاً عن وظائف أفضل ورفاهية اقتصادية. وكذلك السبب الرئيسي الاخر هو الحصول على الخدمات حيث تقدم العواصم في العادة أفضل الفرص للتعليم والوصول إلى الخدمات المختلفة مثل الرعاية الصحية والنقل والثقافة والترفيه، حيث يغادر العديد من الشباب المناطق الريفية والمحافظات التي تفتقر لهذه الخدمات إلى العواصم من أجل الحصول على تعليم عالي الجودة وظروف معيشية واقتصادية أفضل. كم تعتبر العوامل الاجتماعية والثقافية سبباً رئيسياً من حيث توفر المدن المتحضرة والعواصم المزيد من الفرص للتفاعل الاجتماعي والترفيه والوصول إلى الأحداث الثقافية المختلفة، قد يغادر الكثير من الناس مناطقهم هرباً من العزلة الاجتماعية والتمتع ببيئة ثقافية أكثر تنوعاً وانفتاحاً وتطوراً. أيضاَ واحده من اهم الاسباب الرئيسية للهجرة هي البنية التحتية وظروف المعيشة حيث عادة ما تتمتع العواصم ببنية تحتية متطورة ، مثل الطرق والكهرباء وإمدادات المياه والصرف الصحي، يمكن أن تكون الظروف المعيشية في هذه المدن أكثر راحة وملاءمة مقارنة بالمناطق الريفية والمحافظات الأخرى، وقد ينتقل الكثير من الناس من مناطقهم إلى هذه المدن من أجل تحسين ظروفهم المعيشية والحصول على بنية تحتية أفضل. كما للمجتمع القبلي (العشائرية) دور واضح في نزوح الكثير من الناس من المحافظات والريف إلى مدن متحضرة والى العاصمة تحديداً، بسبب النزعة القبلية للمجتمع والتعصب للقبيلة والنزاعات العشائرية والموروث والعادات والتقاليد القبلية (الدكَة والنهوة والفصل والفصلية) وغياب القانون والتمدن رغم انتمائهم واعتزازهم بالقبيلة، حيث توفر العواصم عموماً بيئة مسالمة يحكمها القانون وتكون اكثر تحضر وانفتاح وتمدن. كما للمعتقد والموروث الديني دوراً مهماً في تكون المدن والمحافظات والنزوح منذ مئات السنين، حيث تكونت ونمت بعض المحافظات بصورة ملحوظة وسريعة لوجود رمز ديني مثل كربلاء ومرقد الامام الحسين ، وايضاً تكون وتوسع مدينة الكاظمية والاعظمية لوجود مرقدي الامام الكاظم والامام أبو حنيفة، لما توفره هذه المراقد والمزارات من فرص عمل بسبب السياحة الدينية بالإضافة للتعليم الديني حيث تعتبر بغداد والنجف وكربلاء وسامراء مراكز علم دينية مهمة على مستوى العراق والعالم الاسلامي. ولهذه الهجرة غير المنتظمة وغير المدروسة عواقب مثل التغيرات الديموغرافية قد تؤدي الهجرة إلى زيادة عدد السكان في المناطق الحضرية والعواصم، يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة الضغط الديموغرافي على البنية التحتية الحضرية مثل المجمعات السكنية ونظام النقل والمرافق. وأيضاً العواقب الاقتصادية مع التدفق للعواصم ، قد يكون هناك تغيير في الهيكل الاقتصادي، يمكن للمقيمين الجدد توفير عمالة إضافية والمساهمة في تنمية الاقتصاد الحضري، ومع ذلك يمكن أن يؤدي أيضا إلى زيادة البطالة وخفض الأجور وعدم المساواة في الوصول إلى الموارد وبالتالي تدهور الاقتصاد . كما هنالك عواقب من حيث التغيرات الاجتماعية والثقافية حيث يمكن أن تؤدي الهجرة إلى تغييرات في البيئة الاجتماعية والثقافية ، يمكن للمقيمين الجدد إدخال عادات وتقاليد وقيم ولهجات جديدة ، والتي يمكن أن تؤدي إلى التنوع الثقافي وتبادل الخبرات، ومع ذلك يمكن أن تسبب أيضاً صراعات وسوء تفاهم بين السكان المحليين والسكان الزائرين وقد ينقلون الأشياء التي هربوا منها في مدنهم السابقة الى العواصم. وللسيطرة والتحكم بهذه الهجرة عدة تدابير الواجب اتخاذها من ابرزها تشجيع اللامركزية من خلال تمكين الحكم المحلي من خلال تعزيز الحكومات المحلية لمعالجة التفاوتات الإقليمية وتنفيذ السياسات التي تدعم التنمية المتوازنة، وأيضاً تعزيز تنمية المدن والبلدات الثانوية لتوزيع النمو الاقتصادي بشكل أكثر توازنا عبر المناطق. وأيضاً خلق تكافؤ الفرص قد تعتبر أحد الأسباب الرئيسية للهجرة هو البحث عن حياة أفضل وفرص عمل، لذلك من المهم خلق فرص متكافئة للتنمية والازدهار في كل من المناطق الريفية والحضرية، وقد يشمل ذلك الاستثمارات في التنمية الزراعية، وخلق فرص العمل انشاء المصانع، والحصول على التعليم والرعاية الصحية. كما لتطوير البنية التحتية دور مهم جداً حيث يلزم تطوير الهياكل الأساسية مثل الطرق والكهرباء وإمدادات المياه والاتصالات لجذب السكان في المناطق الريفية والاحتفاظ بهم، سيساعد هذا في تحسين ظروف المعيشة والعمل في المناطق الريفية وتقليل جاذبية المدن للمهاجرين. جانب اخر هو وسبب مهم للحد من الهجرة هو دعم تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم حيث يمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أن تصبح مصدرا للوظائف والتنمية الاقتصادية في المناطق الريفية، لذلك من المهم تقديم الدعم والحوافز لتطوير مثل هذه المؤسسات، على سبيل المثال من خلال تقديم الإعانات المالية والحوافز الضريبية والدعم الاستشاري. ايضاً أحد التدابير المهمة هو التعليم والتدريب لأنه يلعب دوراً هاماً في تنمية المناطق الريفية والحضرية، لذلك من الضروري توفير تعليم ميسور التكلفة وعالي الجودة في كلا المجالين، بالإضافة إلى ذلك من المهم توفير التدريب المناسب لاحتياجات سوق العمل من أجل الحد من عدم التوازن بين العرض والطلب على الوظائف. كما نعتقد أن تشجيع الهجرة العكسية يعطي نتائج ايجابية من حيث توعية السكان في الريف والمدن الصغيرة (غير العواصم) بالفرص المتاحة لهم وكيفية الاستفادة منها بدلاً من الهجرة، وأيضاً تشجيع الهجرة العكسية حث السكان على الانتقال إلى المناطق الريفية أو المدن الصغيرة التي تعاني من نقص في السكان لتحقيق التوازن الديموغرافي. هنالك جانب اخر له دور فعال هو الرصد والتحليل من أجل الإدارة الفعالة للهجرة ، من الضروري رصد وتحليل البيانات المتعلقة بتدفقات الهجرة وعواقبها، سيساعد ذلك على فهم أسباب الهجرة بشكل أفضل ، وتقييم فعالية التدابير المتخذة وإجراء التعديلات اللازمة على سياسة إدارة الهجرة، وبشكل عام يمكن أن تساعد هذه التدابير في إدارة هجرة السكان، والحد من الآثار السلبية ، وتهيئة الظروف للتنمية المستدامة لكلا مكاني الإقامة.في الختام نود ان نبين ان هجرة سكان المحافظات المهملة والريف الى العواصم ظاهرة اجتماعية مهمة لها خصائصها وعواقبها، وللهجرة تأثير على المجتمع ككل، يمكن أن يؤدي إلى تغييرات ديموغرافية ومشاكل اجتماعية وعواقب اقتصادية، ويمكن للإدارة السليمة للهجرة أن تساعد في التخفيف من هذه الآثار وأن تخلق وضعا أكثر استقراراً وتوازناً للجميع.
الباحث علي حسن كطوف قسم الدراسات الاقتصادية |