الحكم الرشيد (الحوكمة) وبناء الدولة / مسارات التحول وتعزيز الشفافية والمساءلة  في العراق

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2024-05-07 10:47:18

م. أنصر سفاح كريم / قسم الدراسات التكنولوجية والامن السيبراني

   ظهر مصطلح الحكومة الرشيدة (الحوكمة) في أواخر القرن العشرين بعد الانهيارات الاقتصادية التي طالت الكثير من الدول والمؤسسات والشركات والتي كان سببها نقـص الخـبرة والكفـاءة، اذ اصبحت الحوكمة من الموضوعات الهامة في كافة المؤسسات والشركات الخاصة، خصوصاً بعد سلسلة الأزمات المالية المختلفة التي حصلت في الكثير من الشركات والمؤسسات العالمية، مثل الانهيارات المالية التي حدثت في عدد من دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية ، وأزمة شركة Ernon والتي كانت تعمل في مجال تسويق الكهرباء والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك أزمة شركة WorldCom الأمريكية للاتصالات عام 2002 م .

ويعود سبب هذه الانهيارات الى الفساد الإداري بصفة عامة والفساد المالي بصفة خاصة، بالاضافة إلي ذلك فإن من أهم أسباب انهيار الشركات هو افتقار إدارتها إلي الرقابة والإشراف ونقص الخبرة.

ماذا نعني بالحوكمة؟

وتعرف الحوكمة بأنهــا الإدارة الرشــيدة القائمة عــلى النزاهــة والشفافية والمسائلة والمحاسبة ومكافحـة الفسـاد وتحقيـق العدالـة دون أي تمييز مع تطبيـق القانون على الجميع.

كما تشير الإدارة الرشيدة او الحوكمة  إلى العمليات والآليات التي تحكم وتدير السلطة كيفية اتخاذ القرارات في المؤسسات، بهدف تحقيق الشفافية والمساءلة والعدالة، كما  تشمل الحوكمة مجموعة من الجوانب مثل السياسات، وإدارة المؤسسات، والمشاركة المجتمعية، وتقديم الخدمات، والحد من الفساد.

ومن اهم فوائد الحوكمة القضاء على الفساد الاداري والمالي، وتطبيق مفهوم الديمقراطية وحرية تداول المعلومات.

اسباب ظهور الحوكمة؟

بشكل عام هنالك العديد من العوامل والمبررات التي ساعدت على ظهور مصطلح الحوكمة منها :

  1.   العامل الاقتصادي:الازمات المالية العالمية التي كانت تمثل أزمة ثقة في المؤسسات والتشريعات التي تنظم الأعمال والعلاقات القائمة بين مؤسسات الأعمال والحكومات.
  2.  العامل السياسي والاجتماعي:  وتتمثل في الديمقراطيات الناشئة كذلك زيادة الفجوة بين الحكومة والمواطن وتقيدها بالعمليات الإدارية، التي دفعت الى التفكير بضرورة وجود ممثلين لهؤلاء المواطنين ونقل وجهة نظرهم في رسم السياسات التنموية والتشريعات.
  3. الشفافية والمساءلة: التركيز على آليات الحوكمة لضمان ممارسات أكثر شفافية ومساءلة.
  4. تشريعات وقوانين الحوكمة: القوانين والتشريعات التي تعزز دور الحوكمة ، مثل القوانين التي تحمي حقوق المواطن، وتوفير الاطر القانونية التي تعزز شفافية اداء المسؤولين الحكوميين وتحديد مسؤولياتهم.

جمعت هذه العوامل والمبررات لتسهم في تأكيد أهمية الحوكمة كمفهوم أساسي في المؤسسات الحكومية والقطاعات الاخرى، وفي تطوير ممارسات الإدارة واتخاذ القرارات.

مباديء الحوكمة

  1. شفافية العمليات: يشمل هذه المبدأ افصاح المؤسسة عن معلوماتها المالية والادارية (التشغيلية) بطريقة واضحة ودقيقة للجمهور، بما في ذلك القرارات الادارية والمعاملات المالية الحساسة.
  2. المساءلة والمراقبة: وجود طرق وأساليب مؤسسية، تمكن من مساءلة كل شخص مسؤول، ومراقبة أعماله، ويتطلب مبدأ المساءلة بضرورة تفعيل دور القوانين المختصة، مع وجود حوافز لتشجيع المسؤولين على أداء مهامهم بفعالية وأمانة. حيث أن أي مسؤولية تتضمن جانب الالتزام أو التعهد، والجانب الثاني هي  المحاسبة أو المساءلة.

ومن اهم المؤشرات التي تحكم مبدا المساءلة في مؤسسات الدولة هي تناسب حجم مسؤولية الفرد مع السلطة الممنوحة له مع وجود آليات لمعاقبة الأفراد وتطبيق آليات المساءلة دون تمييز.

  1. الإدارة: يشمل هذا المبدأ تعيين مجلس إدارة من أفراد ذوي كفاءة وخبرة، وتحديد دورهم في توجيه السياسات واتخاذ القرارات الاستراتيجية للمؤسسة. كما يشمل هذا المبدأ تعزيز التنوع في تشكيل مجالس الإدارة من حيث الجنس، العرق، الخبرة، والخلفية الثقافية لضمان تمثيلية شاملة واتخاذ قرارات أفضل، ومن هذه النقطة نرى من الضرورة ان تعتمد المؤسسة على مبدا مجلس ادارة وليس ادارة منفردة.
  2. الإدارة المالية: تتضمن وجود خطط وميزانية لتطوير موارد المؤسسة المالية، وتطوير فعالية أنشطة المؤسسة في ضوء التكاليف المصروفة، وتناسب حجم الأنفاق مع أنشطة المؤسسة وتعد من اهم المؤشرات التي يمكن ان تحكم عمل مبدا الادارة المالية.
  3. القوانين: ان وجود بنية قانونية مستقرة مع وجود هيئة قضائية مستقلة يمكن الاعتماد عليها، من شانه أن يساعد على تطبيق مبادئ الحوكمة.

ان هذه المبادئ تعتبر مرشدا لتقييم كفاءة الحوكمة في المؤسسات الحكومية، وتساعد على بناء بيئة عمل مستدامة ومسؤولة وتساهم في تحقيق أهداف المؤسسة بكفاءة وشفافية.

بالاضافة الى انه تم تطوير العديد من الأطر والمعايير لتوجيه المنظمات في إلادارة وبالخصوص ادارة مخاطر التكنولوجيا. توفر هذه الأطر نهجا منظما وأفضل الممارسات لتحديد وتقييم وتخفيف المخاطر مثل المخاطر التكنولوجية، مثال على هذه الاطر:

  •  International Organization for Standardization (ISO) 27001

معيار دولي لأنظمة إدارة أمن المعلومات. يوفر نهجا منظما لإدارة مخاطر أمن المعلومات ، بما في ذلك مخاطر التكنولوجيا

  • Control Objectives for Information and Related Technology (COBIT)

إطار شامل لحوكمة وإدارة تكنولوجيا المعلومات المؤسسية. يساعد المؤسسات على مواءمة أهداف تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها مع أهداف العمل وضمان ممارسات إدارة المخاطر الفعالة

  • National Institute of Standards and Technology (NIST) Cybersecurity Framework

مجموعة من الإرشادات وأفضل الممارسات لإدارة مخاطر الأمن السيبراني. يساعد المؤسسات على تحديد التهديدات السيبرانية وحمايتها واكتشافها والاستجابة لها .

  • Payment Card Industry Data Security Standard (PCI DSS):

مجموعة من معايير الأمان المصممة لحماية بيانات حامل البطاقة وضمان المعالجة الآمنة لمعاملات الدفع. يساعد المؤسسات على إدارة مخاطر التكنولوجيا المرتبطة بالتعامل مع معلومات بطاقة الدفع

هذه الشهادات تعتبر أدوات هامة للمؤسسات الحكومية لتحسين أداءها، ومن الضرورة اعتماد هذه الشهادات والشهادات المماثلة في تطوير الموارد البشرية وزيادة الثقافة والوعي وكذلك الاستفادة من الخدمات التكنولوجية في تبسيط الاجراءات.

ويمكن القوال عن هذا الموضوع ان هناك ضرورة اعادة توزيع الادوار وتحديد آليات توزيع السلطات، وآليات المشاركة وتحقيق الحريات والفرص المتساوية.

كما لابد من اعادة او تحديث السياسات والاجراءات والاهم من ذلك هو التركيز على ادارة هذه السياسات وليس فقط اعدادها.

في الختام يمكن القول ان هناك حاجة ماسة إلى أسلوب إداري جديد قادر على الجمع بين المؤسسات الرسمية و غير الرسمية، وإدخالها في عملية صنع القرار وتنفيذه. كذلك تطبيق مبادئ جديدة في الإدارة، تعتمد بشكل مباشر على مشاركة كل أعضاء الإدارة في صنع واتخاذ القرار.