ملاحظة حول النفط والهيمنة في السياسة الدولية للولايات المتحدة الامريكية

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2017-10-20 18:43:02

يقدر استهلاك الولايات المتحدة الامريكية  20 مليون و 110 الف برميل يوميا من النفط الخام عام 2017، وهو اكثر من خُمس الطلب العالمي على النفط  الذي يقدر بحوالي 95 مليون و560 الف برميل يوميا لنفس السنة، حسب احدث تقرير لمنظمة الاقطار المصدرة للنفط اوبك.

    واتخذت الولايات المتحدة الامريكية،  منذ الصدمة النفطية الاولى في السبعينات، سياسات تكنولوجية وسعرية وضريبية حدّت من نمو الطلب على الطاقة عموما، وتراجع نمو طلبها على النفط في السنوات الاخيرة  دون المعدل العالمي بكثير. وهي بذلك منسجمة ومشجعة للمسار الذي  حافظت عليه  المجموعة المتقدمة لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية  ( أو ، إي ، سي ، دي). ومع ذلك بقيت حاجة الولايات المتحدة للنفط الخام عالية  فهي اربعة امثال ثقلها السكاني النسبي.

    و تنتج من النفط الخام تقريبا 13 مليون برميل ونصف المليون يوميا  وتستورد الفرق وهو اقل من  7 مليون برميل في اليوم. لكن معدل انتاجها مرتفع نسبة الى احتياطياتها المثبتة من النفط الخام التي تتراوح بين 33 مليار حسب تقدير منظمة الطاقة الامريكية  و55 مليار برميل تبعا لتقديرات شركة النفط البريطانية.  وذلك يعني ان احتياطياتها تكفيها لثمان سنوات على الاكثر  وخمس سنوات على الاقل في حالة عدم الاستيراد.

 لكن الولايات المتحدة افضل حالا من اوروبا المتقدمة بكثير  فهذه تستورد اكثر من 10 مليون برميل في اليوم وتنتج اقل من 4 مليون برميل في اليوم واحتياطياتها قليلة. وايضا الولايات المتحدة الامريكية اكثر امنا في النفط من الصين التي تستورد  7 مليون برميل ونصف المليون في اليوم، وتنتج حوالي 4 مليون برميل في اليوم واحتياطياتها ادنى مما لدى الولايات المتحدة الامريكية.

   وايضا  سوف يتزايد طلب الصين على النفط كثيرا في السنوات القادمة  بينما من المتوقع  عدم تزايد طلب امريكا على النفط او ربما يتناقص . وتفتقر الهند  ايضا الى الاحتياطيات النفطية باشد من الصين وتنميتها في المستقبل تتطلب حجوما نفطية كبيرة.

    من جهة اخرى سوق النفط موحدة على مستوى العالم،  فالنفط يذهب من اي مكان الى اي مكان آخر.  ومن المتعذر محاصرة  هذه الدولة او تلك نفطيا، اذ بامكان شراء النفط من طرف ثالث غير الدول المنتجة،ما لم تجمع القوى العظمى عسكريا في العالم على حصارها وهذا لا يحدث  الا بموافقة الولايات المتحدة الامريكية!! .

  ويقال ان  اهتمام الولايات المتحدة بنفط الشرق الاوسط، وحضورها العسكري من اجله،  كي لا تسيطر عليه جهة معادية. وماذا ستفعل تلك الجهة : ان قلصت انتاج النفط، كما فعلت الدول العربية وايران في حرب تشرين 1973 مثلا،  فسوف ترتفع الاسعار على جميع المستهلكين  ومنهم امريكا. واذا توقف انتاج النفط من هذه المنطقة فان الصين والهند واوروبا والباكستان واليابان وغيرها  يصيبها من الضرر اكثر  مما يقع على الولايات المتحدة الامريكية.

    ايضا لدى الولايات المتحدة احتياطيات غاز بحم مناسب  وهي خامس دولة في احتياطيات الغاز. و تحتوي اراضي الولايات المتحدة على  الكثير من الفحم وهي الدولة الاولى في  احتياطياتها وبفارق كبير عمن يليها.

     ومما يجدر التذكير به ان البترول ينتج من الغاز، وحتى اوبك تصدّر يوميا اكثر من 6 مليون برميل بترول  من الغاز المسيل. بل حتى ان الفحم قابل للتسييل، لكن الاضرار البيئية لعملية التسييل باهضة اضافة على التكاليف، لأن الهيدروكربونات السائلة من الفحم اقل من ثلثه. نريد القول ان الدولة القائدة للتكنولوجيا في العالم في سعة من الطاقة اذ تتحول نحو المصادر غير الاعتيادية اذا تطلب الامر وتستطيع.

    ونشرت الصحافة النفطية تقديرات عن الاحتياطيات النفطية بالعلاقة مع الاسعار وكيف انها انخفضت، تلك الاحتياطيات، بعد هبوط اسعار النفط ، لماذا ؟ لأن الاحتياطي النفطي ليس هو النفط بذاته في المكان الجيولوجي  بل ما يمكن استخراجه من ذلك النفط  في حدود الجدوى الاقتصادية. والاخيرة تعتمد على اسعار النفط وتكاليف الاستخراج، وتتغير التكاليف بالمستحدثات التكنولوجية. وقد نجحت الولايات المتحدة الامريكية في السنوات الاخيرة في تطوير تقنيات الاستخراج  جوهريا. ولا استبعد وجود احتياطيات اخرى من النفط والغاز  لدى امريكا في ارضها الفسيحة وتنوعة الموارد ، او في المياه الاقليمية وما اوسعها في المحيطين.

  يضاف الى كل ما تقدم احتياطيات فنزويلا الهائلة من النفط ، وهي ليست بعيدة عنها، وايضا كندا لكن هذه النفوط اكثرها من النوع الثقيل قياسا بالمتعارف عليه، ويتطلب لأستخراجها وتحريكها في الانابيب وتصفيتها تقنيات مختلفة وتكاليف مضافة، لكن التقنيات متغيرة  وعندما ترتفع اسعار النفط تستوعب المستويات العالية من التكاليف. والمهم ان أمن الطاقة في الولايات المتحدة الامريكية مضمون، او على الاقل تتعرض لمخاطر ادنى  بكثير من دول اخرى.

   وهكذا يتضح ان النفط ذريعة  لتبرير الاهتمام المبالغ به في الشرق الاوسط ، ولا استبعد انها تنطلي حتى على موظفين كبار في البيت الابيض او حتى الرئيس الامريكي نفسه.

امريكا تريد الشرق الاوسط  للهيمنة، فالدول والمجموعات الحاكمة تتوق الى  التسلط  كما يسعى افراد الناس الى السلطة  للتحكم بحياة الآخرين ومصائرهم.  الهيمنة قيمة عليا مطلوبة لذاتها ، ضمن منظومة القيم السياسية الشريرة والفاسدة التي تحكم العالم، وسوف تبقى لحين الارتقاء الاخلاقي للبشر فيتجاوزوا هذه الدناءات.

  ومع الاسف بالغ الكتاب العرب في الترويج لسياسة الهيمنة الامريكية، طبعا على غير قصد منهم، عبر تأكيدهم على النفط.  ودون مبالغة، يكاد يجمع العرب على الاهمية الحيوية للولايات المتحدة الامريكية في السيطرة على نفط الشرق الاوسط، وهذه من المقدمات التي لا تناقش لكل اطروحة تناولت السياسة الامريكية وعلاقتها بالعرب. وهي من الاوهام  لكنها اقوى من الحقيقة في التاثير على عقول الناس وضمائرها. ومن حسن الحظ يوجد من الباحثين  الامريكان في الاقتصاد النفطي  من تجرأ وتصدى لهذا الوهم .

  بقيت عناصر اخرى  مهمة في ما يسمى الاستراتيجية الكبرى ( غراند ستراتيجي) مثل امن اسرائيل ؛ او ان الهيمنة الامريكية ضرورية لأمن الولايات المتحدة الامريكية، وهي اكثر الدول امنا في العالم. وهناك الاطروحة  التي اصبحت  بمثابة عقيدة لا يستطيع احد اخضاعها للمناقشة، والتي تصادر على  ضرورة الهيمنة والعسكرة لأدامة  حيوية الأقتصاد الأمريكي لأنه المركز العالمي لأقتصاد السوق والملكية الخاصة، او ان الهيمنة والعسكرة  تخدم الراسماليين …  وهذه قد نتورط في مناقشتها على رغم حساسيتها العالية لرسوخها من جهة، ولأن بعض الاصدقاء يراها من اساسيات الموقف النقدي للغرب والترتيبات السياسية الدولية السائدة.

 د. احمد ابريهي علي