الصراع السعودي المصري في افريقيا

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2017-10-20 18:38:04

د. مصطفى كامل / القسم السياسي

 

تصاعدت حدة الخلافات السعودية المصرية نتيجة الاختلاف في السياسات و التوجهات الخارجية لكلا البلدين، وفي ملفات كثيرة اهمها الملف اليمني والسوري، واخر تلك الاختلافات هي قضية القاعدة العسكرية السعودية في جيبوتي، على الرغم من ان الخلاف لم ياخذ بعده السياسي العلني ، لكن ظهره على الساحة الاعلامية والشعبية، اذن سنشرح في الاوراق القادمة من هي جيبوتي؟، ماهي اهمتها الاستراتيجية؟، اسباب التوجه السعودي؟، هل السعودية البلد الوحيد الذي يريد ان يمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي؟.

 جيبوتي الموقع والأهمية الاستراتيجية  .

دولة عضو في جامعة الدول العربية، تقع على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، وتحدها من الشمال إريتريا، ومن الغرب والجنوب إثيوبيا، والصومال من الجنوب الشرقي، فيما تطل شرقا على البحر الأحمر وخليج عدن، وعلى الجانب المقابل لها عبر البحر الأحمر في شبه الجزيرة العربية اليمن التي تبعد سواحلها نحو 20 كيلومترا.

تشكل العرقية الصومالية 60% من السكان، والعفار 35%، فيما يسكنها 5% من الفرنسيين والإثيوبيين والإيطاليين، و94 % من السكان مسلمون، ويشكل المسيحيون فيها 6%.

يعتمد اقتصاد جيبوتي على الخدمات المرتبطة بموقعها المهم على البحر الأحمر والموانئ، حيث تعتمد البلاد بشكل أساسي على المساعدات الخارجية، كما أن القواعد العسكرية الأجنبية تدر لها ملايين الدولارات، وتعد واحدة من أهم إيرادتها، حيث تحصل سنويا على قرابة 160 مليون دولار منها، كما يعيش 3 أرباع السكان في العاصمة والباقي من البدو الرحل، وتصل نسبة البطالة إلى 60%، ما يمثل مشكلة بالنسبة للبلاد.

ورغم افتقار جيبوتي للموارد الطبيعية، فإن موقعها الجغرافي بين إريتريا وإثيوبيا والصومال لم يتم بالصدفة، كونها من المحاور الرئيسية للتجارة العالمية، وتقع على باب المندب الذي يمر من خلاله جانب كبير من التجارة العالمية، من بينها أربعة ملايين برميل من النفط يوميا، كما أن أكثر من 80 % من السلع التي تستوردها جارتها إثيوبيا، يتم إفراغها في ميناء “دوراليه”، أحد أكبر موانئ المياه العميقة في شرق إفريقيا، إضافة إلى قربها من بؤر التوتر في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، فهي أهم دولة في مجال تأمين طرق التجارة وكنقطة انطلاق لمكافحة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي.

 

اسباب التوجه السعودي لجيبوتي .

اهم الاسباب التي تدفع السعودية الى التواجد في جيبوتي هي:

  • تزايد طموحات التوسّع البحري السعودي، وبالتحديد الرغبة في السيطرة على الاجزاء القريبة منها من البحر الاحمر عن طريق إقامتها القاعدة البحرية على ساحل البحر الأحمر في جيبوتي، وما يعزز هذا السبب هو مطالبتها الان بجزيرتي  تيران وصنافير من مصر.
  • ان السعودية ترى ان مواجهتها مع اليمن اصبحت قضية دولية ونتيجة الشعور السعودي بخطورة سيطرة الحوثيين على اليمن و تهديد الأمن القومي السعودي، كان من الطبيعي أن تتسع دائرة هذه المواجهة لتصل إلى جيبوتي.
  • اغلاق الطريق امام تهرب السلاح الى الحوثيين عن طرق البحر الاحمر.
  • يطرح السفير بلال المصري فرضيتين سعي السعدية للتواجد في جيبوتي في هذه الوقت في التحديد: الفرضية الأولى: أن تكون مصر قد إشترت الغواصة وحاملة الطائرات وسرب الرافال الفرنسي بعد إتفاق مبدئي مع جيبوتي لإقامة قاعدة مصرية لها هناك خاصة وأن برقيات ويكيليكس أشارت إبان عهد الرئيس حسني مبارك إلى لقاء بين قائد القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا AFRICOM وكبار العسكريين المصريين واقترح هؤلاء على الأمريكيين وضع مصر داخل نطاق عمل القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا وهو ما لم يقبله الأميركيون لأن منطوق إنشاء AFRICOM المُعلن في 6 شباط فبراير 2007 أشار إلى أن ولايتها أو نطاقها يشمل كل أفريقيا وجزرها فيما عدا مصر. ويبدو أن جيبوتي تراجعت بضغوط مُورست عليها من طرف ما (أميركي أو فرنسي أو سعودي) عن الوفاء بما إتفقت عليه مع مصر بشأن إنشاء القاعدة وعليه أصبحت الغواصة وحاملة الطائرات والحالة هذه عبئاً.والإفتراض الثاني: أن تكون قد توفرت للسعودية معلومات، الأرجح أنها من مصادر فرنسية أو أمريكية، بشأن نية مصر طلب أو أنها طلبت بالفعل من جيبوتي إقامة قاعدة لها على الأراضي الجيبوتية، وهو ما عارضه السعوديين بقوة خشية أن تكون القاعدة المصرية في جيبوتي في حال إقامتها خطراً محتملاً على الجهد العسكري السعودي في عملية اليمن. وأشتد هذا الشعور بالخشية بعد تصويت مصر في مجلس الأمن الدولي الداعم لوجهة النظر الروسية والإيرانية إزاء القضية السورية.

 

التواجد العسكرية السعودية في جيبوتي .

في المرحلة الراهنة تعتزم السعودية إنشاء قاعدة عسكرية على أراضي جيبوتي ، حيث أكد وزير خارجية جيبوتي، محمود علي يوسف، أن حكومة بلاده وافقت مبدئيا على إقامة قاعدة عسكرية سعودية على أراضيها، مؤكدا أنها ترحب بوجود المملكة العسكري في جيبوتي، و أكد في تصريحات له في الأيام القليلة الماضية أن مسؤولين عسكريين سعوديين وجيبوتيين تبادلوا الزيارات خلال الفترة الماضية، التي تم في إطارها وضع (مشروع مسودة اتفاق أمني وعسكري واستراتيجي… ما زال تحت الدراسة) مشيرا إلى أن بلاده تتوقع أن يتم التوقيع على هذه الوثيقة  في القريب العاجل .

ورغم تأكيد الرياض أن القاعدة لها علاقة بحروبها في المنطقة، وتواجدها من شأنه أن يمثل رسالة للأعداء، أكدت جيبوتي في تصريحات لوزير خارجيتها، أن القاعدة العسكرية السعودية المزمع إنشاؤها في جيبوتي ضمن مشروع اتفاقية للتعاون العسكري بين الحكومتين السعودية والجيبوتية لا علاقة لها بالحرب في اليمن.

و بالتوازي مع مشاريعها العسكرية سعت المملكة الى توسيع مشاريعها الاستثمارية فقدمت السعودية مؤخرا إلى الحكومة الجيبوتية منحة بقيمة 50 مليون دولار لدعم برنامج الاستثمار في جيبوتي، في إطار مساعدات دول مجلس التعاون الخليجية للبلاد التي تقدر بـ200 مليون دولار أمريكي، كما كشف سفير جيبوتي لدى السعودية ضياء الدين بامخرمة، عن توجه رسمي سعودي لإقامة خطوط ملاحية مباشرة بين موانئ جيبوتي وجدة وجازان لدعم التبادل التجاري بين البلدين.

 

الانزعاج المصرية من تواجد العسكري السعودي .

تمثل جيبوتي أهمية قصوى بالنسبة لمصر، لاسيما أنها من المحاور الأساسية لأمن القاهرة المائي والاقتصادي والأمني، خاصة في ظل اتساع رقعة الخلافات بين مصر وإثيوبيا والسودان حول ملف حوض النيل، وإنشاء أديس أبابا سد النهضة الإثيوبي،وان البحر الاحمر يمثل البوابة الجنوبية لقناة السويس، ومن يتحكم بها، يتحكم ولا شك بحركة الملاحة في القناة، ومن هنا يؤكد الخبراء أن هناك تهديدات تحتاج لإعادة نظر وتقييم للتحركات المصرية بمنطقة القرن الإفريقي بشكل خاص وإفريقيا بوجه عام.

و انطلاقاً من اهمية المنطقة لمصر بدأت منذ حوالي شهر تحركات لوقف الاتفاق بين السعودية وجيبوتي لإقامة قاعدة عسكرية للمملكة على مداخل خليج عدن وأن مصر ترفض هذا الاتفاق بشكل كامل، على اعتبار أن تلك المناطق محسوبة على نفوذ دبلوماسي مصري يقع في نطاق أمنها القومي، باعتباره عمقاً استراتيجياً مصرياً في أقصى الجنوب ، ولذلك سارعت مصر في استضافة الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر لمصر قبل يومين وتوقيع اتفاقية تعاون معه لاثناءه عن الموافقة على قاعدة عسكرية سعودية في بلاده.

أيضا نتيجة لاهمية المنطقة قام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتحديث اسطول مصر البحر وجرى استحداث الاسطول المصري الجنوبي، و الذي افتتحه السيسي في الخامس من يناير2017، والتي ترى فيه مصر ان انشاء هذا الاسطول يرتبط بتغيير موازين القوي في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالصراعات الطاحنة ذات التأثير الحاد في الجغرافية السياسية، والعسكرية، بالإقليم ومناطقه الاستراتيجية التي تشمل المضائق البحرية ومناطق الاختناق المرورية للتجارة العالمية.

 

القواعد العسكرية في جيبوتي:

تظم الأراضي الجيبوتية عدة قواعد أجنبية معلن عليها وهي :

 

  • القاعدة الفرنسية

كانت جيبوتي مستعمرة فرنسية منذ عام 1850، وبعد مائة عام لم ترغب فرنسا في التفريط في جيبوتي بعد استقلالها، لذا توصلت إلى اتفاقية عسكرية تضمن من خلالها تواجد بين 3800 و4500 جندي فرنسي على الأراضي الجيبوتية،  ثم تم تقليص العدد إلى أكثر من 1500 جندي كجزء من قوات حفظ الأمن.

وتعد القاعدة العسكرية الفرنسية في مقدمة القواعد العسكرية الأجنبية في جيبوتي، حيث تعتبر أهم قاعدة للفرنسيين في القارة السمراء وهذا قبل دخولها مالي، ومهمتها حماية حركة التجارة عبر مضيق باب المندب، وحماية جيبوتي من أي اعتداء خارجي، مثل قضاؤها على التمرد عام 2001.

وتفيد أرقام رئاسة أركان القوات الفرنسية العاملة في جيبوتي، أن المساهمة الاقتصادية لعناصر هذه القوات وأفراد عائلاتهم في هناك تمثل قرابة 130 مليون يورو، أي حوالي 25% من إجمالي الناتج الداخلي وما يساوي 65% من موازنته.

  • قاعدة أمريكا المركزية في إفريقيا

تحتضن جيبوتي القاعدة العسكرية الأمريكية الوحيدة الثابتة في إفريقيا، “ليمونيير” التي تستضيف 4500 جندي أمريكي وشركات مقاولات، وتنفذ مهمات ضد تنظيم القاعدة في اليمن وحركة شباب المجاهدين في الصومال، وتدفع أمريكا مقابل ذلك ستين مليون دولار سنويا لجيبوتي، وفي مايو من العام الماضي، مددت الولايات المتحدة مدة الإيجار لقاعدتها العسكرية لعشر سنوات إضافية على الأقل، وتقول الإدارة الأمريكية إن مهمة جنود المعسكر مراقبة المجال الجوي والبحري والبري للسودان وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا، واليمن، وتمويل وتدريب جنود جيبوتي.

اليابان

عام 1977، اعترفت اليابان بجمهورية جيبوتي كدولة ذات سيادة، وأقيمت العلاقات الثنائية بين طوكيو وجيبوتي عام 1980، وفي سنة 2009، أنشأت البحرية اليابانية قاعدة عسكرية في جيبوتي، تمكنها من المشاركة في التصدي للقراصنة الصوماليين، بما فيها ميناء دائم ومطار لإقلاع وهبوط لطائرات الاستطلاع اليابانية.

  • قاعدة صينية .

وضمن الوافدين الجدد إلى جيبوتي، الصين التي تسعى إلى إنشاء قاعدة عسكرية جديدة لها، حيث أعلن الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي هذا العام عن نية الصين إنشاء أول قاعدة عسكرية بإفريقيا في المستقبل القريب، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن تبدأ بكين العمل قريبًا في تشييد القاعدة البحرية.

وتسعى الصين منذ العام الماضي لبناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، هدفها – بحسب وزير الخارجية الجيبوتي – مكافحة القرصنة وضمان أمن مضيق باب المندب، خاصة أمن السفن الصينية التي تمر عبر هذا المضيق، حيث نفذت البحرية العسكرية الصينية في الثماني سنوات الماضية عشرين مهمة قبالة سواحل الصومال وخليج عدن، لكنها واجهت صعوبات في محطات الرسو وإعادة التموين، ما يشير إلى أهمية هذه القاعدة للصين، خاصة أن بكين تهتم في الفترة الأخيرة بزيادة الاستثمار الاقتصادي في القارة الإفريقية، بالإضافة إلى سعيها لملء الفراغ الذي تركته دول أوروبية، حسبما صرح وزير خارجية جيبوتي.