تحالف الازدهار الغياب العربي والتصعيد المحتمل
التصنيف: مقالات
تاريخ النشر: 2024-01-16 07:22:16
أعلنت الإدارة الامريكية على لسان وزير دفاعها (لويد اوستن) اثناء زيارته لإسرائيل في 18/ديسمبر 2023م، عن تشكيل تحالف متعدد الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر تحديداً في مضيق باب المندب من هجمات الحوثيين، معبراً ان تلك الهجمات متهورة وخطيرة وتنتهك القانون الدولي لذا وجب اتخاذ إجراءات لبناء تحالف دولي لمواجهة هذا التهديد.
يضم التحالف المعلن عنه تحت اسم (حارس او حامي الازدهار) عشرة دول حتى الان وهي (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، النرويج، سيشل، اسبانيا، إضافة الى البحرين)، يهدف وبحسب زعمهم لحماية المبدأ الأساس في القانون الدولي للبحار المتمثل بحرية الملاحة في المياه الدولية، من خلال تسيير دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.
والجدير بالذكر ان الولايات المتحدة الامريكية فشلت بتحشيد الدول بشكل واسع في المشاركة في هذا التحالف، حتى وجود فرنسا وإيطاليا واسبانيا فيه لم يكن فعلي وجدي حيث اكتفت هذه الدول بتعزيز قواتها البحرية في المنطقة لحماية سفنهم ومصالحهم وذلك بحسب ما أعلنت عنه حكومات هذه الدول، وذكرت دول أخرى انها تفضل حماية الملاحة في البحر الأحمر عن طريق اتفاقات دولية وليس عن طريق تحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة الامريكية.
يذكر ان ازمة البحر الأحمر برزت الى الوجود كرد فعل على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ قرابة ثلاث أشهر، حيث أعلن الحوثيون في اليمن على أثر ذلك انهم سوف يقومون بمهاجمة جميع السفن الإسرائيلية، إضافة الى مهاجمة سفن الشحن المتجهة الى إسرائيل بغض النظر عن جنسيتها والتي تمر بمضيق باب المندب، وذلك نصرة للشعب الفلسطيني والضغط لوقف الإبادة الجماعية التي تُرتكب هناك من قبل إسرائيل، وإدخال المساعدات الإنسانية والماء والغذاء لقطاع غزة.
تبرز أهمية مضيق باب المندب (الذي يفصل بين البحر الأحمر وخليج عدن)، بملاحظة موقعه الجغرافي المهم بأعتباره ممر مائي دولي يربط بين ثلاث قارات (اسيا، افريقا، اوربا) ، يتم نقل نفط الخليج العربي وايران الى الأسواق العالمية في اوربا، اذ يتم نقل 60% من احتياجها للطاقة عبره، بينما تنقل الولايات المتحدة مايقارب 25% من احتياجها للنفط عبره، مما يعني ان أغلاقه سيترتب عليه اضطرار السفن الى تغيير مسارها نحو رأس الرجاء الصالح مستغرقة وقت أطول للوصول، الامر الذي يؤدي الى اضرار اقتصادية تتمثل بارتفاع أسعار الشحن وزيادة كلفة بدل التأمين على نقل البضاعة المتجهة الى إسرائيل، إضافة الى ابعاد سياسية وعسكرية عالمية خطيرة من المحتمل ان تتجه نحو الاسوء في حالة تأزم الأمور أكثر في منطقة البحر الأحمر.
الموقف العربي
بدا واضح على هذا التحالف غياب الدول المشاطئة المطلة على البحر الأحمر سواء كانت عربية او غير عربية والمتمثلة ب (السعودية، مصر، الأردن، السودان، جيبوتي، ارتيريا، الصومال) الامر الذي يدفع بالتشكيك بأهمية هكذا تحالف، ويضعف من قدرته في تنفيذ المهام المعلن عنها، والقول بإنه جاء لخدمة مصالح اطراف معينة، خاصة إذا تم الرجوع لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982م التي اكدت على دور المهم للدول المشاطئة في ضمان سلامة وحفظ حرية المرور في المضيق وهو ما نجده في نصوص متفرقة من هذه الاتفاقية منها (م43، م44).
يرجع العزوف العربي عن المشاركة في عملية حارس الازدهار المعلن عنها على الرغم من الخسائر المالية الضخمة التي تتكبدها جراء تعطيل الملاحة في البحر الأحمر خاصة دولة مصر فيما يتعلق بقناة السويس الى قرب تلك البلدان من أي صراع قد ينشب في المنطقة، والقلق من ان تتعرض حقول النفط في السعودية والامارات الى الاستهداف من قبل الحوثيين كما حدث في عام 2019 من استهداف المستودعات السعودية، خاصة ان الحوثيين قد هددوا بأستهداف السفن السعودية والاماراتية في حال انضمامها الى التحالف البحري الجديد.
ايضاً تعتبر حساسية القضية الفلسطينية في العالم العربي والخشية من السخط الشعبي وان ينظر اليها في حالة الانضمام على انها تدافع ضمناً عن إسرائيل من اهم أسباب الامتناع العربي، إضافة الى الخشية من ان تلقي تلك الخطوة ضلالها على عمليات التقارب الجارية بين السعودية من جهة وإيران والحوثيين من جهة أخرى في الوقت الراهن.
تداعيات التواجد العسكري
من جهة أخرى مثل الاعلان عن هذا التحالف من قبل البنتاغون صدمة للمراقبين الأمريكيين نظراً للتبعات المحتملة لهكذا اعلان من الناحية المالية وما ستتكبده الخزانة الامريكية من دفع مبالغ طائلة في سبيل صد هجمات الحوثيين ومسيراتهم، حيث ان تكلفة الصاروخ الواحد المناسب لردع تلك الهجمات مليونا دولار وهو صاروخ متوسط المدى المعروف باسم (standard missile-2)، في حين ان قيمة تلك المسيرات هو الفين دولار امريكي.
صرح خبراء عسكريون امريكيون، انه كان من الأولى على الإدارة الامريكية ان تفعل وتطور من دور القوة البحرية الموجودة حاليا في البحر الأحمر تحت مسمى (قوة العمل المشتركة 153) الموسعة المشكلة منذ عام 2022م، والمدعومة من عشرات الدول ومن ضمنها الدول العربية (مصر، السعودية، الامارات)، إضافة الى دول المجموعة السبع لضمان سلامة الملاحة في البحر الاحمر، عوضاً من تشكيل قوة عسكرية من الصفر لا تحضى بدعم علني من أغلب الدول خاصة الدول العربية المشاطئة.
يعود تشكيل القوة البحرية الجديدة نتيجة للضغوط التي مارستها إسرائيل على الولايات المتحدة الامريكية من ضرورة التدخل ووضع حد لهجمات الحوثيين، من جهة أخرى ان دخول الولايات المتحدة المواجهة بمفردها ضد الحوثيين يمثل تحدي كبير لها، خاصة انهم يحضون بدعم إيران بصورة غير مباشرة، مما جعلها تفضل خيار التحالفات مع شركاء دوليين واقليميين. وان أي تحرك احادي يحتاج الى موافقة الكونغرس وهو لا يتوفر حالياً لادارة بايدن.
في مقابل ذلك أعربت إيران عن امتعاضها من وجود هذه القوة في البحر الأحمر بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، مؤكدين بأنه لايمكن لاحد ان يناور في منطقة تسيطر عليها إيران، حيث سيكون هناك صراع قوي وسيواجه التحالف مشاكل هائلة حسب قولهم.
بالوقت نفسه أكد الحوثيين انهم سوف يهاجمون أي تحالف تشكله الولايات المتحدة في البحر الأحمر، وان عملياتهم لن تتوقف حتى توقف العدوان الإسرائيلي ووقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وجود هكذا قوة بحرية في البحر الاحمر له مردودات سلبية كبيرة على المنطقة برمتها، وتؤدي الى زيادة التوتر، الامر الذي ينذر بإمكانية نشوب نزاع اشد وأخطر وتوسع النزاع الحاصل ليمتد على المستوى الإقليمي خاصة مع وجود رفض لتواجد هذه القوة من قبل بعض الأطراف وعلى رأسهم إيران وحلفائها، مما يسبب بإعاقة حركة الملاحة الدولية بصورة أكبر ويعمق الازمة الاقتصادية العالمية، إضافة الى عسكرة شريان مائي مهم بالغواصات والمدمرات
في الختام من الأفضل ان يتم العمل على تشكيل تحالف دولي يعمل على بذل جهود حثيثة لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بدل من ارسال هكذا قوة بحرية دولية، خاصة ان عودة الاستقرار في منطقة البحر الأحمر وفتح مضيق باب المندب امام السفن التجارية يرتبط وبحسب قول الحوثيين بوقف الحرب في قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية وهو امر أسلم وأيسر من عملية عسكرية تصعد التوتر في المنطقة.
الباحثة
نقاء ثابت ضاري
قسم الدراسات الاجتماعية