إسقاطات التطورات العالمية على واقع الاقتصاد العراقي : تداخل المخاطر والحلول

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2024-01-02 16:43:53

يواجه الاقتصاد العالمي مخاطر تحوُل في اغلب القطاعات والأنشطة (الصناعة والطاقة والخدمات والصحة والتحول الرقمي فضلا عن المواد الغذائية الاستهلاكية) ، حيث ان التعافي بعد الجائحة 2020 قد حصل بفعل التيسير الكمي* للحكومات والذي قارب (10) ترليون دولار مما حال بصورة مباشرة دون افلاس الشركات والقطاعات الانتاجية ( الحكومية والخاصة)  ومنع الدخول في ركود عميق للاقتصاد العالمي.

وبعد الانسحاب التدريجي من التيسير الكمي للمواجهة وكان نهايته في اغلب الدول المتقدمة في الربع الثاني من العام الحالي 2023 ، ومع الآثار الاقتصادية السلبية التي نتجت بالتزامن مع التعافي التدريجي للاقتصاد العالمي ، بان للمختصين والمراقبين مخاطر التحول شيئا فشيئا .

فزيادة معدلات التضخم ومن قبله توقف سلاسل الامداد عمل على ان يتجه بنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي إلى رفع الفائدة بصورة مستمرة إلى ان بلغ نحو (5.25%) مما اثر بشكل سلبي على الاستثمارات في السوق الحقيقية والمالية وامتداد الآثار السلبية إلى الاقتصاد العالمي بحكم هيمنة الدولار الأمريكي على اغلب التعاملات التجارية .

اولا : مخاطر التحولات في الاقتصاد العالمي 2024

وعليه فمن ابرز المخاطر التي يواجهها العالم الان هي (افلاس الشركات الاجنبية وضغط انتاج النفط الصخري والتغيير المناخي) .

1- افلاس الشركات الاجنبية

منذ الربع الثاني عام 2023 قدمت العديد من الشركات الاجنبية وبالخصوص الأمريكية منها  كشركة فايس ميديا الإعلامية و مانيترونيكس إنترناشونال للأمن المنزلي، طلبات للحماية من الإفلاس بموجب الفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس الأميركي خلال 24 ساعة، فيما تشعر الشركات بالأزمة بسبب عام من زيادة معدلات الفائدة.

ومن بين الشركات الأخرى التي قدمت التماسا بموجب الفصل الحادي عشر(قانون الشركات الامريكي) ، شركة إنفيجين هيلث وشركة فيناتور ماتريالز البريطانية المنتجة للكيماويات، وشركة كوكس أوبيريتنغ المنتجة للنفط، وكيد- فينوال وأثينيكس. ووفقاً لبيانات صادرة عن المحاكم الأميركية ، فقد ارتفع إفلاس الشركات الأميركية خلال العام 2022 إلى نحو (30%) .

أما على صعيد منطقة اليورو ، فقد ارتفعت حالات الإعسار بين الشركات إلى نحو (13%) على أساس سنوي خلال أول 9 أشهر من 2023 لتصل لأعلى مستوى في 8 سنوات الماضية .كذلك الحال في فرنسا وهولندا واليابان حيث ارتفعت حالات الإفلاس بأكثر من (30%) لنفس المدة المذكورة . وتعاني الشركات من كل القطاعات في ظل معدلات الفائدة المرتفعة مما يجعل الأمر أكثر صعوبة عليها لسداد قيمة القروض والسندات المستحقة. كذلك تسبب في زيادة تلك المعدلات ارتفاع تكلفة خدمة الديون والتراجع عن الدعم المقدم خلال الوباء، بجانب فواتير الطاقة المرتفعة بشكل خاص في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.

حيث أن الشركات - كما تم ذكره انفاً - قد تخطت الانكماش الذي تسببت فيه فايروس كورونا نتيجة الدعم الكبير للحكومات إلى صالح الشركات والأسر والذي قُدر بأكثر من 10 تريليون دولار . وعليه نجد بان افلاس الشركات سوف يضغط على نشاط الاقتصاد العالمي ونمو الوظائف خلال السنوات القليلة المقبلة.

2- زيادة انتاج النفط الصخري

بدأ الخصم (المنافس) التقليدي السابق لدول اوبك المتمثل في النفط الصخري الأميركي، يطفوا على السطح من جديد بعد أشهر قليلة من تجاهل هذا القطاع كتهديد لسيطرة منظمة اوبك على أسواق النفط العالمية. فقد كثفت شركات الحفر الأمريكية ، في الأحواض السبعة (حوض بيرميان في غرب تكساس إلى منطقة باكين شيل في نورث داكوتا) من إنتاج النفط بما يتجاوز توقعات المحللين والمراقبين مما دفع الإنتاج إلى مستوى قياسي، في الوقت الذي تُقلّص فيه أوبك + الإمدادات في محاولة لكبح انخفاض الأسعار.

في مثل هذا الوقت من العام الماضي 2022 ، أشارت توقعات الحكومة الأميركية إلى أن متوسط الإنتاج المحلي سيبلغ (12.5) مليون برميل يومياً خلال الربع الثالث من عام 2023 . لكن التقديرات ارتفعت إلى نحو (13.3) مليون برميل . وهذا الفرق في التقديرات يعادل إضافة "فنزويلا جديدة" إلى الإمدادات العالمية ، اذ يبلغ انتاج النفط الحالي لفنزويلا بعد تخفيض العقوبات الامريكية *عليها نحو (800) الف برميل يومي وهذه ايضا لها اعتبارات على واقع اسعار النفط في الاسواق العالمية  .

يتردد صدى هذه الزيادة في كل أنحاء العالم، مما يثير المخاوف حول استراتيجية تحالف (أوبك+) المتمثلة في خفض الإمدادات لمنع زيادة المعروض النفطي في الأسواق العالمية والتي تودي إلى انخفاض الاسعار .

3- تأثير التغير المناخي : التوجه نحو الطاقة النظيفة

عقدت في ديسمبر الحالي 2023 اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ  COP28 وقد خرج البيان الختامي باتفاق يضع ( أول سطر لنهاية عصر الوقود الأحفوري ) ويمهد الطريق أمام عملية التحول السريع والعادل والمنصف عن هذا النوع من الوقود ، والمساهمة في الانخفاضات الشديدة المسجلة في انبعاثات الكربون ورفع سقف التمويل.

و في إشارة إلى التضامن العالمي اجمع نحو 200 طرف من أطراف الاتفاقية بإصدار قرار بشأن أول عملية (للحصيلة العالمية) على مستوى العالم ترمي إلى تعزيز العمل المناخي قبل نهاية العقد الحالي، ويتمثل الهدف العام المنشود من هذه الجهود في الحيلولة دون ارتفاع درجة الحرارة العالمية باكثر من (1.5) درجة مئوية.

ثانيا : انعكاسات المخاطر على الاقتصاد العراقي عام 2024

توجد العديد من العوامل الضاغطة على الاقتصاد العراقي والتي تؤدي الى حد كبير لوقوع العراق في ازمة مالية نتيجة ارتفاع حجم الإنفاق العام وإمكانية ارتفاع الدين العام واردة بصورة مباشرة ، ومن ابرز تلك العوامل الضاغطة هي :-

1- يعتمد الاقتصاد العراقي على العائدات النفطية في تغذية الموازنة العامة بنسبة اكثر من 96%‎ خلال عام 2023 وما بعدها ، وان سياسة الخفض الطوعي ستسهم في انخفاض الإيرادات النفطية عام 2024 مما يعني تأثر الموازنة العامة سلبا فضلا عن زيادة انتاج النفط الصخري الأمريكي والتي ستضغط على الاسعار انخفاضا .

2- ان عملية افلاس الشركات العالمية يضع العراق في حرج شديد خصوصا تلك الشركات التي تعتمد على الطاقة والمنتجة للسلع ( الغذائية) الاستهلاكية وذلك لكون العراق مستورد صافي مما يعني زيادة تكلفة الاستيراد وارتفاع الاسعار عام 2024 .

3- ينبغي على العراق ان يعتمد مخرجات تغير المناخ  COP28 بالتالي التحول نحو الطاقة النظيفة وتقليل انتاج النفط وهذه ايضاً تضغط على الصادرات النفطية انخفاضا .

4- المشاكل المصرفية وخصوصا الية تنظيم التجارة مع الدول المجاورة كافة (الممنوعة من الدولار وغيرها) ، وهذه تتزامن مع مشاكل ضعف السيطرة على المنافذ الكمركية ، الامر الذي يؤدي الى المزيد من الاجراءات الحكومية المتداخلة مع السلطة النقدية للسيطرة ، وهذه تدور في حلقة مفرغة تكون مستغلة من قبل الفاسدين وضعاف النفوس واستغلالها لصالحهم .

ثالثا : ابرز الحلول لمواجهة انزلاق الاقتصاد العراقي عام 2024

تكمن خطوات منع انزلاق الاقتصاد العراقي في صورة سياسات اقتصادية متداخلة ومنسقة وفقا للاتي :-

1- الاستخدام الأمثل للفائض المالي المتحقق عام 2023 واستثماره في صندوق سيادي متعدد الاستخدام ووفقا للأولويات التي تخدم الاقتصاد العراقي . فضلا عن ذلك فان عملية التوجه الحقيقي نحو ترشيد النفقات العامة وخصوصا رواتب الرئاسات الثلاثة ، و اللجوء لسياسة مالية تضغط بزيادة الايرادات غير النفطية ( زيادة حجم الوعاء الضريبي ) وأتمته الضرائب الكمركية وربطها بشكل مباشر بخزينة الدولة .

2- الإرادة الحقيقية للتوجه نحو التنويع الاقتصادي من خلال إشراك القطاع الخاص في بناء قاعدة انتاجية وفقا لاستراتيجية تخصيص مالي لدعم القطاع الخاص فضلا عن استخدام أدوات السياسة التجارية في دعم الصناعات الناشئة ذات المرونة العالية بصورة تدريجية .

3- ربط موقع منصة مهن لوزارة العمل او منصة اور  الحكومة المركزية (اي موقع إلكتروني حكومي) بمصرف ريادة ومنه يساعد العاطلين و الباحثين عن عمل وتمكينهم من الدخول إلى السوق والاندماج فيها، خصوصا الشرائح الهشة من محدودي الدخل عبر  توفر قروض ميسرة بضمانات بسيطة لخلق مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر والعمل على إدماجهم في سوق العمل مما يودي إلى تقليل نسب البطالة والفقر  ويخلق قيمة مضافة وزيادة الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي .

4- استخدام السلطة النقدية لأدواتها (المباشرة وغير المباشرة) في توجيه المصارف نحو ابرز اعمالها وخدماتها الا وهو اقراض القطاع الخاص للدخول في استثمارات في القطاع الحقيقي طويل الامد بالاتساق مع النقطة 2 اعلاه .

 

 


* د. علي دعدوش / باحث واكاديمي اقتصادي .

** التيسير الكمي : من السياسات النقدية غير التقليدية ، والتي استخدمت لمواجهة الازمة المالية عام 2008 ، وتعني شراء البنك المركزي اصول المصارف التي اعلنت افلاسها .

* ان العقوبات الامريكية على فنزويلا ذات اتجاه سياسي وبالتحديد على مرشحي الرئاسة من المعارضة وقد طالب الولايات المتحدة فنزويلا بإطلاق سراح السجناء السياسيين كشرطا لرفع العقوبات عليها بالتالي انتاج كامل حصتها المقررة ضمن اوبك .