حجم التنافس الانتخابي لعام 2023

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2023-11-29 10:24:07

د. عمار صالح البهادلي

يستعد العراق لاستحقاق انتخابي محلي مرتقب في 18 كانون الأول من العام الحالي، وهو الممارسة الانتخابية الرابعة لانتخابات مجالس المحافظات التي حتمتها نصوص دستورية عديدة ابرزها المادة (122) من الدستور التي اشارت الى هياكل تنظيم اللامركزية الإدارية في العراق وتشريع قانون ينظم تلك الانتخابات كان اخرها قانون رقم (4) لسنة 2023.

طرأت تعديلات كثيرة على قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم (12) لسنة 2018 المعدل، ليصار الى قانون رقم (4) لسنة 2023 الذي تضمن العديد من التغييرات ابرزها عدد المقاعد الانتخابية وهذا الموضوع مدار بحثنا. توزعت (275) على خمسة عشر محافظة عدا محافظات إقليم كردستان على أساس النفوس السكانية لكل محافظة حيث نصت المادة (9/ثانيا/أ) على (يتكون مجلس المحافظة من (12) اثني عشر مقعداً، يضاف اليها مقعد واحد لكل (200.000) مائتي الف نسمة لما زاد على (1000.000) مليون نسمة وحسب إحصائية وزارة التخطيط لعام 2019)، كما تم توزيع مقاعد الكوتا البالغة (48) مقعداً على المحافظات حسب الانتشار والتركيز الجغرافي للاقليات، اذ خصص للمسيحيين والصابئة المندائيين والكرد الفيليين مقعد واحد لكل مكون في محافظة بغداد، بينما خصص للمسيحيين والايزيديين والشبك مقعد واحد لكل مكون في محافظة نينوى، واخيراً خصص مقعد واحد لكل من المكون المسيحي في البصرة والكرد الفيليين في واسط والصابئة المندائيين في ميسان والمكون المسيحي في كركوك.

نظرة فاحصة لجدول رقم (1) الخاص بتوزيع المقاعد على المحافظات وانتشار مرشحي التحالفات او الأحزاب وكذلك الكيانات المستقلة (الفردية) تبين جملة من الملاحظات من بينها انخفاض عدد المرشحين اسوة بالانتخابات المحلية الأخيرة لعام (2013) التي تنافس فيها (7500) مرشح توزعوا على (14) محافظة حيث لم تخض كركوك الانتخابات المحلية منذ عام 2005 التي شهد نسبة مشاركة (76%) آنذاك، بينما في الانتخابات المحلية المزمع عقدها في كانون الأول القادم نجد ان عدد المرشحين قد انخفض الى (5919) مرشحاً وهي سابقة انتخابية تؤشر وجود خلل في البيئة الانتخابية غير محفز للترشح وهنا تتراوح العوامل بين قانونية او امنية او سياسية.

ومع استمرار مقاطعة الأرقام الواردة في الجدول يتبين ان منحنى التحالفات الانتخابية يرتفع في بغداد حيث بلغ عدد التحالفات الانتخابية (16) تحالفاً لينخفض المنحنى في محافظة البصرة التي يتنافس فيها (11) تحالفاً انتخابياً ثم يستمر انخفاض المنحنى البياني وصولاً الى محافظتي نينوى وكركوك حيث يتبارى فيها (10) تحالفا في كل محافظة، وهنا يمكن ان نستدل على حجم التنافس الانتخابي في هذه المحافظات الأربع، وإذ كانت هذه نتيجة طبيعة بالنسبة لبغداد يبلغ نفوسها السكاني استنادا الى احصائيات وزارة التخطيط لعام 2019 (8.500.000) فهو ليس طبيعي في كل من البصرة التي يبلغ نفوسها (3.000.000) ونينوى التي يبلغ نفوسها (3.800.000) وكركوك التي يبلغ نفوسها (1.600.000)، الا النظر الى اعداد وحجوم هذه التحالفات في المحافظات الأربع تبين ان هناك تنافس انتخابي حاد لاسيما في كركوك التي يبدو الانقسام المكوناتي فيها واضح ومختلف التحالفات الانتخابية تستعد لاعادة تموضع استراتيجي وتجذر يؤهلها لمرحلة جديدة قد تكون ممراً للبواية التشريعية القادمة.

اما اذا ما نظرنا الى خارطة انتشار الأحزاب السياسية في المحافظات الـ (15) نلاحظ ان هناك انخفاض واضح في منسوب الأحزاب السياسية مقارنة بعدد المرشحين، ففي بغداد التي يتنافس فيها اكثر من (1450) مرشحاً لم تحظ الا بـ (12) حزباً سياسياً مما يشكل مفارقة واضحة مع نينوى التي ايضاً يتنافس فيها (625) مرشحاً سياسياً لكن مع انخفاض واضح لعدد الأحزاب السياسية الـ (12) المتنافسة، وهنا تتضاعف احتمالية غياب الهاجس الأمني في نينوى الذي يعد احد عوائق الترشيح الانتخابي، ثم ان انخافض عدد الأحزاب السياسية في بقية محافظات غرب وجنوب العراق ليتراوح ما بين (2-8) حزباً سياسياً يدلل على اللجوء الى استراتيجية التحالف والاندماج كسبيل لخوض المنافسة الانتخابية على امل الظفر بأكبر عدد من المقاعد.

وتبقى حظوظ محافظة بغداد الأعلى من حيث عدد مرشحي الكيانات السياسية المستقلة بالمقارنة مع بقية المحافظات، اذ شهدت (7) متنافسين مستقلين ثم تلتها كل من ذي قار ونينوى بمرشحين اثنين لكل محافظة، بينما يستعد لخوض الانتخابات ككيان مستقل مرشح واحد لكل من الانبار وديالى وصلاح الدين وبابل وواسط، وربما سبب تراخي الترشيح الفردي يفسر لضعف الثقة بالنظام الانتخابي في تعزيز آمال المرشحيين الفرديين وثانيا حجم الاستقطاب الانتخابي الذي افرغ الساحة الانتخابية من التنافس الفردي.

اخيراً يمكن اللجوء الى مقترب آخر يستخدم لقراءة حجم التنافس الانتخابي على المقاعد الانتخابية المحلية، وهو معرفة عدد المرشحين الذين يتنافسون على المقعد الانتخابي سواء في بغداد ذات الانفجار السكاني او في المثنى التي لم يتجاوز نفوسها السكاني (1.000.000) مليون نسمة، يلاحظ ان التنافس على اشده في كل من محافظة بغداد حيث يتنافس ما يقارب (30) مرشحاً على مقعد انتخابي واحد، وفي محافظة نينوى يتنافس (24) مرشحاً على مقعد انتخابي واحد، بينما في محافظة البصرة التي يتنافس فيها (23) مرشحاً على مقعد انتخابي واحد، ليتراجع التنافس على المقعد الانتخابي الى ادنى مستوياته في كل من المحافظات الثلاث ميسان الذي بلغ حجم التنافس على المقعد الانتخابي (13) مرشحاً في ظل انخفاض واضح في عدد التحالفات والأحزاب السياسية المتنافسة داخل المحافظة وغياب واضح للكيانات السياسية المستقلة، ثم تليها محافظة المثنى التي تراجعت فيها مستويات المنافسة على المقعد الانتخابي الى (15) مرشحاً مع تفاعل خجول للتحالفات الانتخابية تنافس يكاد يكون منعدم من حيث عدد الأحزاب السياسية، اما محافظة كركوك التي تشهد تنافس مكوناتي قوي (قومي، ديني) فهي الأخرى تتراجع فيها مستويات التنافس على المقعد الانتخابي الى (16) مرشحاً على الرغم من ارتفاع معدلات تنافس التحالفات الانتخابية والأحزاب السياسية الى حداً ما اذا ما قورنت عدد الأحزاب والتحالفات بنفوسها البالغة السكانية (1.600.000) مليون نسمة.

ومن القراءة السابقة لاعداد واحجام التحالفات الانتخابية والأحزاب السياسية في مختلف المحافظات التي تشهد انتخابات محلية في الأفق القريب نستدل على عدة ظواهر بعضها تكررت في معظم التجارب الانتخابية سواء المحلية او التشريعية وأخرى شكلت سابقة جديدة، منها ظاهرة اللاتكافئ من حيث عدد التحالفات والأحزاب والكيانات السياسية المستقلة بين المحافظات اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار (النفوس، عدد المقاعد)، كما نلاحظ ان ظاهرة اللاتكافئ طغت على احجام التنافس على المقاعد الانتخابية اذ ارتفعت بشكل كبير في محافظة وانخفضت دون التوقعات في محافظة أخرى، وتستمر حالة اللاتكافئ مع مقاعد الكوتا (نساء) ففي كل من بابل (4) مقاعد للكوتا النسوية يتنافس عليها (105) مرشحة بينما في ذي قار (4) كوتا تتنافس عليها (87) مرشحة، وهذا قد يرتبط بالوضع الديمغرافي للمحافظة وبالعوامل الثقافية التي تسيطر على المحافظة.

بالرغم الملاحظات التي وردت أعلاه، الا ان هذا لا يقدح  بنضج الإجراءات السابقة للعملية الانتخابية من حيث آليات توزيع المقاعد الانتخابية على المحافظات وإجراءات الترشح والطرق القانونية لتشكيل التحالفات والأحزاب السياسية المتنافسة فضلاً عن الكيانات السياسية المستقلة (الفردية)، اذ يلاحظ توافر معايير الانتخابات العادلة والشفافة التي تبتغي الوصول الى نتائج اقل ما يقال عنها أنها مستوفية لمعيار النزاهة، الا ان عملية التقييم حالة صحية يستدل بها الى نقاط القوة لتعزيزها ونقاط الضعف لتذليلها، كما يمكن ان تكون مرشد ودليل لصانع القرار للوقوف عليها بناء او صياغة تشريعات او أنظمة او قرارات تتعلق بالقانون او النظام الانتخابي، لتجنب المعوقات وتدعيم الفرص بما يوفر أدوات وضمانات المشاركة الفاعلة للعملية الانتخابية فضلاً عن توفير مناخات آمنة للتنافس الحزبي او الفردي بالحد الذي حقق مستويات معقولة من التكافئ بين محافظة وأخرى.