الجيوبولتيك .. العلاقة بين الفلسفة المكانية والفلسفة الادائية للدولة

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2019-03-17 17:53:01

أ.م.د. سهاد اسماعيل خليل

وحدة الجيوبوليتك وتحليل السياسات

في إرتباط وثيق الصلة بين تطور المعرفة العلمية والإتجاهات المعاصرة في تفسير حركة التفاعلات الإقليمية والدولية، وترسيخ مفاهيم جديدة في بناء الدول وتحديد المكانة وفق الأدوار والوظائف. يتطلب رؤية معاصرة في تبني المنهج الجيوبولتيكي في بناء تصورات القادة وصناع القرار عند تحليل وتشخيص قوة الدولة وتحديد ماهيتها ووظيفتها على حد سواء، وهو مايتطلب تحديد مكامن القوة وفاعليتها وتحديد وتحييد عوامل الضعف إن صعب تجاوزها أو تنميتها بإيجاد بدائل استراتيجية من قبل مخططي الإستراتيجيات، ليتيح فيما بعد تحديد دور ووظيفة الدولة ضمن النطاق الإقليمي وماهي مهمتها في حركة التفاعلات الإقليمية عبر طرح مجموعة تساؤلات:

- من نحن؟

- ماذا نريد؟

- كيف نصل إلى ما نريد؟

- متى يمكن أن نصل إلى ما نريد؟

إن الرؤية المعاصرة للجيوبولتيك تتطلب منا فهم الجيوبولتيك المعاصر بكونه (نتاج التفكير بين السياسة والجغرافيا المعاصرة) وعلاقته في إدارة الدولة منطلقاً من فهم يمكن الإستدلال به (تمكين القوة الوطنية في ضبط وادارة التفاعلات الاستراتيجية) ولاسيما الاقليمية منها، خصوصاً أن الجيوبولتيك المعاصر يعترف بالمستويات الاقليمية والمحلية للتنافس والنزاعات والمصالح، أي بمنعى أن الجيوبولتيك أصبح يمثل العلاقة القائمة على تفكيك وتكوين المصالح وفقاً لما ينتجه التفكير بالقوة الوطنية من إستراتيجيات.

من المسلم به اليوم حتمية عودة الجيوبولتيك في توصيف وفهم قوة الدولة الحقيقية وليس القوة المكتسبة فقط. فان عملية بناء التصور الاستراتيجي لدى صناع القرار هو نتاج مايدركه من علاقة بين الجيوبولتيك ومصالح الدولة وقدرة الدولة على توظيف المتغير الجيوبولتيكي في تحقيق المصالح، اذ لاتخلو استراتيجية وطنية شاملة لأية دولة سواء كانت دولية أو اقليمية من إدراك صحيح وسليم للمتغير الجيوبولتيكي.

وعليه فان حساب علاقة قوة الدولة الحقيقية تحتاج إلى معيار ثابت يمكن من خلاله قياس مدى قدرة الدولة على التوظيف الشامل لقوتها الوطنية في بناء وصياغة الاستراتيجية الوطنية للدولة. ويمكن وضع مقاربة بالإستعانة بنموذج العالم الامريكي Ray Clin  في حساب قوة الدولة الشاملة يكون حاصل متغيرات هذه القوة مايعبر عنه بالوزن الجيوبولتيكي للدولة ((الكتلة الحيوية للدولة، القدرة الاقتصادية، القدرة العسكرية، الإرادة الوطنية، القدرة الدبلوماسية، القدرة السياسية (ممارسة النفوذ)، (الهدف الاستراتيجي).

تجد الدول نفسها ضمن بيئة تنافسية معقدة سريعة التغيير، تواجه فيها العديد من التحديات وبمختلف المستويات من حيث الأثر والتأثير، التي تفرض عليها تبني أفضل السبل للوصول إلى الحفاظ على ذاتها وتحقيق اهدافها النابعة من الإدراك السليم في فهم العلاقة بين الأهمية المكانية لوظيفة الدولة أو الإقليم من جهة، والأهمية الجيوستراتيجية التي تشكلها هذه الدولة أو الإقليم عبر توظيف سلسلة التفاعلات في البيئة الإقليمية والبيئة العالمية.

يقترن هذا الإدراك بمتغير الجغرافيا، ليس بصفتها المكانية بقدر ما يمثله من نتاح لحوار الارادات الوطنية – ليس بالضرورة ان تكون متنازعة- الذي يعد اليوم مقيد لحركة الدول وقناعات صناع القرار، فأغلب القادة اليوم مرغمين على فهم الجيولولتيك والتقيد بالحتمية الجغرافية في فهم وادراك حركة دول الجوار من جهة والدول من خارج الإقليم من جهة أخرى.

 ان ضبط حركة العلاقة بين الفلسفة المكانية والفلسفة الأدائية لصانع القرار، بالإعتماد على منهج التحليل الجيوبولتيكي في بناء وصياغة الاستراتيجية الوطنية الذي يمثل الجيوبولتيك المعاصر وحدة القياس بالدرجة الأساس فيه، بإعتباره المقوم الأكثر ثباتاً في بناء وصياغة الاستراتيجيات من جهة، وتأثيره في كينونة الدولة (الذات) وعملية بناء وصياغة الاستراتيجية الوطنية الشاملة من جهة اخرى، فضلاً عن كونه حواراً استراتيجيا يبحث في كيفية تبرير تحقيق الأهداف والمصالح.