الولايات المتحدة وروسيا وسباق تسلح نووي عالمي جديد

التصنيف: دراسات

تاريخ النشر: 2019-02-28 09:45:15

د.أحمد يوسف كيطان/ قسم الدراسات الاقتصادية

للاطلاع على الدراسة بصيغة pdf اضغط هنا 

جاء اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من معاهدة إزالة الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى والمعروفة بـ(معاهدة القوات النووية متوسطة المدى-INF) والتي تم توقيعها مع الاتحاد السوفيتي السابق أبان الحرب الباردة في العام(1987)، استمراراً لسياسة الرئيس ترامب في "الانسلاخ" من تركة حقبة سلفه الرئيس(باراك أوباما)، إذ لم يكن انسحاب دونالد ترامب من هذه المعاهدة هو الأول، فقد سبق وأعلن انسحابه من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام (2015)، وكذلك من اتفاق باريس للمناخ التي وقعتها (195)دولة في العام ذاته، لكن هذا الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى على درجة عالية من الأهمية والخطورة والحساسية، كونه يفتح الباب أمام حقبة جديدة من سباق التسلح قد لا تقتصر على الغريمين التقليديين (الولايات المتحدة وروسيا) فحسب، وانما قد تلتحق في ركبه دولاً جديدة كالصين وغيرها، كما ان الانسحاب من هذه المعاهدة ربما يتبعه انسحابات من معاهدات أخرى، قد تُدخل العالم في اجواء حرب باردة جديدة في فترة زمنية متخمة أصلاً بالأزمات والصراعات. والسؤال المهم هنا: ماذا يهدف ترامب الى تحقيقه من هذا الانسحاب؟ ولماذا جاء في هذا التوقيت بالذات؟

  • ماهي معاهدة القوات النووية متوسطة المدى(INF

في سبعينيات القرن الماضي، وخلال الحرب الباردة تسببت صواريخ (أس أس-20) المتوسطة المتطورة التي نشرها الاتحاد السوفيتي في اوروبا الشرقية إثارة مخاوف الغرب، تلك الصواريخ التي يصل مداها إلى(5000)كم وتتمتع بالدقة والمرونة الكافية لاستهداف أوروبا الغربية وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وحتى ولاية ألاسكا الأميركية، ونتيجةً لذلك، كلّف حلف الناتو في العام(1979) مجموعة استشارية من خبراءه بوضع مبادئ محددة لضبط عملية التسلح في ما يتعلق بالصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، كما تبنى الحلف في تشرين الثاني من العام نفسه استراتيجية لمواجهة الصواريخ السوفيتية تتضمن خطة لبدء مفاوضات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تستهدف خفض ترسانة تلك الصواريخ إلى أقل مستوى ممكن، وفي الوقت نفسه تضمنت تلك الاستراتيجية نشر منظومة صواريخ كروز وأخرى باليستية أمريكية في أوروبا الغربية. ومنذ العام(1980)، دخلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق بمفاوضات للتخلص من ترسانتي البلدين من الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى، اسفرت بعد جولات عديدة وعلى مدى سنوات عن توقيع كل من رئيسي البلدين رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف على ما سُميّ بـ"معاهدة القوات النووية متوسطة المدى- Intermediate-range Nuclear Forces treaty" في الثامن من كانون الاول العام(1987)، دخلت حيز التنفيذ في الاول من حزيران العام(1988)؛ اتفق البلدان بموجب المعاهدة على القضاء التام على الصواريخ ومنصاتها التي يتراوح مدى إطلاقها بين(500كم- 5.500كم)، وبناءً على ذلك، قام الاتحاد السوفيتي في العام(1991) بإتلاف أنظمة صواريخ: (بيونير)، و(تيمب– أس)، و(اوكا)، وصواريخ: (ار–12)، و(أر-14)، بالمقابل تخلصت الولايات المتحدة من أنظمة صواريخ: (بيرشينغ)، وصواريخ(توماهوك أرض-أرض)، وبحلول آيار العام(1991) تم تنفيذ المعاهدة بشكل كامل(وبقي الالتزام بالاتفاقية مستمراً بالامتناع عن تصنيع صواريخ نووية شبيهة)، إذ قام الاتحاد السوفيتي بتدمير(1792) صاروخاً باليستياً ومجنحاً يطلق من الأرض، بالمقابل دمرت الولايات المتحدة (859)صاروخاً باليستياً ومجنحاً، ومن الجدير بالذكر، أن بنود المعاهدة تنص على أنها غير محددة المدة، ويحق لكل طرف منها الانسحاب بعد تقديم أدلة مقنعة لذلك، على ان يتم الانسحاب بعد ستة اشهر من تاريخ تقديم الطرف المنسحب لإشعار الانسحاب الى الطرف الآخر ([1]).

  • الأزمة تعود الى الواجهة من جديد!

شرعت وسائل الإعلام الغربية منذ العام(2013) بحملة إعلامية نشطة ضد روسيا جوهرها الإدعاء أن روسيا تنتهك معاهدة القوات النووية متوسطة المدى(INT)، وذلك بسبب قيامها بإجراء تجربة اختبار نموذج أولي ناجحة لـصاروخ كروز باليستي عابر للقارات يسمى يارس (آر إس-26) ذي الرأس الواحد، وكانت تجربة الاطلاق من منطقة "بليسيتسك" إلى "كامتشاتكا" وهو مدى قاري، وجاءت هذه الاتهامات بعد ان نشرت صحيفة واشنطن تايمز مقالاً في تموز العام(2013) تضمن معلومات تشير الى أن هذا الصاروخ الروسي هو نموذج متوسط المدى، وأن الصاروخ انطلق من "كابوستين جار" في منطقة "بلخاش" وبرؤوس متعددة وهي سمة للصواريخ متوسطة المدى. وتجدر الإشارة إلى أنه من المتفق عليه أن يتم تحديد المسافة القصوى للصاروخ من خلال إسقاط مسار الرحلة على الكرة الأرضية من النقطة التي انطلق منها الى نقطة سقوط الرأس الحربي للصاروخ ذاتي الدفع، وقد تم تطوير هذا المفهوم بالفعل منذ فترة طويلة ضمن إطار اتفاقية الأسلحة الهجومية الاستراتيجية(ستارت-3) عام(2010)، والمنصوص عليه في بروتوكول الاتفاقية (الفصل/1، البند/12 -شروط المعاهدة وتعاريفها)، فمن وجهة النظر هذه، فإن النموذج الموجه للصاروخ الجديد مع مدى أكثر من (5500)كم يمكن أن يندرج بشكل لا لبس فيه تحت فئة الصواريخ "العابرة للقارات". وهكذا، فإن تجربة هذه الصواريخ تندرج في إطار العمل باتفاقية(ستارت-3)، وهي مقبولة في ما يخص معاهدة القوات النووية متوسطة المدى، إذ ان مصطلح "صاروخ عابر للقارات" يعني صاروخ باليستي يبلغ مداه اكثر من (5500)كم فوق الأرض (الفصل/1، البند/25-شروط المعاهدة وتعاريفها/ معاهدة ستارت3)، أما مصطلح "صاروخ متوسط المدى" يعني صاروخ باليستي يعبر مسافة برية أو بحرية تزيد عن(1000)كم، ولكنها لا تزيد عن (5500)كم (البند/5، المادة/2، معاهدة القوات النووية متوسطة المدى)([2]).

وفي 29 تموز عام(2014)، صرح المتحدث الرسمي للبيت الأبيض(جوش أرنست)، بأن الرئيس(باراك أوباما) بعث برسالة إلى نظيره الروسي(فلاديمير بوتين) أبلغه فيها أن الولايات المتحدة تتهم روسيا بانتهاك معاهدة القوات النووية متوسطة المدى(INF)، ومع ذلك، فإن إدارة أوباما لم تقدم معلومات عن كيفية خرق روسيا لهذه الاتفاقية، لكنها أكدت على ان المصلحة تقتضي بإجراء مفاوضات رفيعة المستوى لغرض إنقاذ هذه المعاهدة، كما طرح الرئيس اوباما هذا الموضوع في وقت لاحق بمكالمة هاتفية اجراها مع الرئيس بوتين. وبالرغم من تلك الانتقادات والاتهامات الامريكية إلّا أن الولايات المتحدة لم تنسحب من المعاهدة بعد مخاوف أوروبية من هكذا خطوة. لكن بمجيئ الرئيس (دونالد ترامب) الى السلطة، أعلن الانسحاب من المعاهدة في تشرين الأول من العام(2018)، وذلك رداً على اعلان روسيا نجاح محاولة اختبار لمنظومة صواريخ(نوفاتور- 9إم 729)، كما صرّح مستشار الأمن القومي الامريكي(جون بولتون) بأن الولايات المتحدة ترى ان "المشكلة ذات أبعاد عالمية"، وان هنالك قلقاً من "انتهاك روسيا للمعاهدة وأعمالها المحتملة على الساحة الأوروبية"، بالإضافة إلى الوضع بشرق آسيا وجنوبها وإيران والشرق الأوسط، وأن كل تلك التحديات العالمية دفعت بالولايات المتحدة إلى قرار الانسحاب من معاهدة الصواريخ المتوسطة المدى، وفي مطلع شباط العام(2019) اعلن وزير الخارجية الامريكي(مايك بومبيو)، بدء اجراءات انسحاب الولايات المتحدة رسمياً من المعاهدة، وهدد بإنهاء العمل بها إذا لم تلتزم روسيا بالمعاهدة. ويشار الى ان قرار الانسحاب الامريكي من المعاهدة بات مدعوماً من الدول الاوربية الاعضاء في حلف الناتو.

  • ما هي منظومة صواريخ (نوفاتور-9إم 729) الروسية الجديدة؟

تعد منظومة (نوفاتور- 9إم 729) مجمعاً صاروخياً أرضياً يحمل صواريخ مجنحة بعيدة المدى على قواعد أرضية، طورت من قبل مكتب تصميم (نوفاتور) في مدينة يكاترينبورغ، والذي قام بتطوير صواريخ كاليبر المجنحة والتي فاجأت العالم في عام(2015) بضربها اهدافاً لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا من على مسافة(2600)كم، وتسببت هذه الصواريخ بإثارة مخاوف الولايات المتحدة والناتو بسبب مداها الذي يزيد عن (5500)كم، حيث تنص معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى على أن لا يزيد مدى الصاروخ عن (500)كم، وكانت روسيا قد أجرت اختبارات لصواريخ نوفاتور في العام(2007)، وتم الانتهاء من اختبارات النسخة المتطورة في العام(2014)، وتم وضعها على عربات من طراز(MZKT-7930)مزوَّدَة بوحدات معالجة حرارية، ونجحت روسيا في إطلاق الصاروخ عام(2015) لأول مرة إلى مدى (500)كم كاختبار أولي، والمميز في هذا الصاروخ أنه مزود بمحرك داخلي يتم تفعيله بعد إطلاق الصاروخ مما يزيد من المدى المخصص له، بالإضافة إلى إمكانية حمل الصاروخ لرأس حربي نووي، والمثير في الأمر أن صواريخ نوفاتور أكثر تطوراً من صواريخ (إسكندر–إم) الروسية التي نشرتها روسيا في الآونة الاخيرة بمقاطعة كالينينغراد، وغطت مساحات كبيرة من شرق أوروبا حيث تنتشر هناك منشآت الناتو ومن ضمنها مواقع الدرع الصاروخية الأميركية في بولندا([3]).

  • ماذا تهدف الولايات المتحدة من انسحابها من المعاهدة؟

 على الرغم من الادعاءات الامريكية المتكررة بانتهاك روسيا لبنود معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، وانها تقوم بتطوير صواريخ تقع ضمن اطار هذه المعاهدة، إلّا ان هنالك في الحقيقة جملة من الغايات التي تسعى الولايات المتحدة الى تحقيقها من وراء هذا الانسحاب، أهمها الآتي:

  1. تأكيد الهيمنة الامريكية على العالم بإبراز قدراتها العسكرية الاستراتيجية الفائقة، لاسيما مع تراجع الاقتصاد الامريكي وصعود قوى منافسة للولايات المتحدة كالصين وروسيا والهند وغيرها، والتي تسعى بدورها للدفع باتجاه الانتقال الى نظام عالمي متعدد الاقطاب، ينهي تفرد القوة الامريكية وهيمنها على العالم، وهذا ما اكده الرئيس ترامب بقوله: "حتى يعود الناس الى رشدهم، سوف نستمر بتعزيز الترسانة النووية الامريكية،...، إنها تهديد الى أي جهة تريدون، وهذا يتضمن الصين، وأيضاً روسيا، وأي جهة أخرى تريد أن تلعب هذه اللعبة".   
  2. زيادة الضغوط على روسيا واشغالها بسباق تسلح جديد، فقرار الانسحاب الامريكي من المعاهدة هو استمرار للضغوط الامريكية على روسيا، ابتداءً من عقوبات الأزمة الاوكرانية، وتهديد روسيا في جوارها القريب بزيادة التواجد العسكري للناتو على حدودها الشرقية في دول البلطيق وبولندا والتشيك وضم بلدان جديدة للناتو، وكذلك توريط روسيا في الصراع السوري وعدم مساعدتها بل وتركها لوحدها بالانسحاب من سوريا، بالإضافة الى نصب منظومة الدرع الصاروخي في كوريا الجنوبية واليابان عند حدود روسيا الشرقية ومحاولة اللعب بذلك على وتر العلاقات الروسية-اليابانية وتأزيمها من خلال اعادة طرح المشاكل القديمة المتعلقة بالنزاع حول جزر الكوريل التي تسيطر عليها روسيا.
  3. الرد على تنامي القدرات النووية الصينية لاسيما في مجال الصواريخ الباليستية ومواجهة تزايد النفوذ العسكري للصين في منطقة المحيط الهادئ، فالصين ليست طرفاً في معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى لذا فهي غير ملزمة بعدم تطوير صواريخها، كما انها أنفقت في الفترة الاخيرة أموالا طائلة على تطوير ترسانتها الصاروخية الباليستية وكذلك القصيرة والمتوسطة المدى، في الوقت الذي تحظر فيه المعاهدة حيازة الولايات المتحدة هذه الصواريخ، بالتالي فإن الانسحاب الامريكي من المعاهدة له تبعات مهمة على السياسة الدفاعية الأميركية في آسيا وتجاه الصين تحديداً المنافس الاستراتيجي الرئيس للولايات المتحدة في تلك المنطقة، ويأتي في سياق زيادة الضغوط الامريكية على الصين التي تخوض معها حرباً تجارية ضروس، ومن ناحية أخرى ان انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة هو محاولة لتعكير علاقة الصين مع روسيا وإدخالهما في سباق تسلح صاروخي استراتيجي، لاسيما وانه سيجعل الاراضي الصينية تحت مرمى الصواريخ الروسية القصيرة والمتوسطة المدى، والتي كان تهديد تلك الصواريخ قد زال بعد تطبيق المعاهدة منذ أيار العام(1991).
  4. الضغط على اوروبا وتطويعها، لاسيما بعد المواقف الاوروبية المعارضة للولايات المتحدة تجاه عدد من القضايا، وكذلك دعوات كل من فرنسا والمانيا الى تشكيل جيش اوروبي بعيداً عن المظلة الامنية الامريكية، بالتالي فان انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة سيضطر روسيا إلى الانطلاق في سباق صناعة الصواريخ، ومن ثم يعود التهديد النووي الروسي لأوروبا ويجعلها في دائرة الخطر من جديد، لاسيما وان روسيا سترد على الانسحاب الامريكي بنشر صواريخها القصيرة والمتوسطة المدى وتوجيهها نحو مدن اوروبا وليس نحو الاراضي الامريكية.

 

  • ما هو رد فعل روسيا على قرار الولايات المتحدة؟

لم يتأخر الرد الروسي كثيراً على قرار الولايات المتحدة البدء بخطوات الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى، حيث قرر الرئيس بوتين بعد أقل من 24 ساعة على الإعلان الأميركي القيام بخطوة مماثلة، واعلان تعليق التزام موسكو بالمعاهدة، مؤكداً على أن بلاده سوف تقوم بتطوير قدراتها الصاروخية للإبقاء على التوازن مع الولايات المتحدة، وتفتح مساراً جديداً للعمل على إنتاج صاروخ فرط صوتي أرضي متوسط المدى، كما أعلن بوتين عن أنه يؤيد اقتراح وزارة الدفاع الروسية ببدء العمل على نشر صواريخ (كاليبر) المجنحة على اليابسة والتي كانت تنشر سابقاً في الغواصات والسفن الحربية، ولم تنشر على البر بسبب القيود التي كانت تفرضها المعاهدة، واتهم الرئيس بوتين الولايات المتحدة بالعمل على تقويض المعاهدة التي تشكل ركناً أساسياً في الأمن الاستراتيجي في القارة الأوروبية، كونها كانت تحظر على الطرفين الروسي والأميركي تطوير قدرات صاروخية نووية متوسطة وقصيرة المدى ونشرها في أوروبا، حيث نشرت الولايات المتحدة منصات إطلاق طراز (إم كي-41) في أوروبا تشكل بنية تحتية جاهزة لتزويدها في وقت لاحق بالأنظمة الصاروخية المحظورة، الامر الذي يعد انتهاكاً سافراً للمعاهدة، وأكد الرئيس بوتين على ان روسيا لن تنشر صواريخ في اوروبا أو أي مناطق اخرى مالم تبادر الولايات المتحدة بفعل ذلك، كما اشار الى إن روسيا لن تنجر إلى سباق تسلح مكلف مع الولايات المتحدة، وان الطرازات والأجيال الجديدة من الصواريخ الروسية التي سيتم إنتاجها ستكون ضمن موازنة التسلح المرصودة، وانه سيشرف بشكل مباشر على عملية إدخال الأسلحة الجديدة الى حيز الخدمة في القوات المسلحة الروسية.

  • مخاطر محدقة تلوح في الافق

على الرغم من ان البيئة الامنية العالمية تضم دولاً أخرى متسلحة نووياً، إلّا ان العلاقة النووية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا تبقى الاكثر أهمية وتأثيراً على امن واستقرار العالم، إذ ان القدرات النووية الفائقة التي تمتلكها القوتان قادرة على تدمير قارات بأكملها، ويمكن تصنيف العوامل التي تزيد من احتمال حدوث عدم استقرار استراتيجي بين القوتين الامريكية والروسية في السنوات الاخيرة الى ثلاث فئات: اولاً/ العوامل التي تزيد من احتمال حدوث حرب تنطوي على الولايات المتحدة وروسيا، ثانياً/ العوامل التي تزيد من مخاطر التصعيد خلال الحروب، ثالثاً/ العوامل التي تحد من استقرار الأزمات، ومما تقدم، تتضح خطورة قرار الانسحاب الامريكي من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، فهذه الخطوة تتمثل بكونها المرة الأولى التي ستنسحب منها الولايات المتحدة من معاهدة كبيرة لضبط التسلح، منذ انسحابها من معاهدة الحد من الصواريخ الباليسيتة في العام(2002) في فترة ادارة الرئيس الاسبق جورج بوش الابن، ومن ناحية اخرى يهدد هذا الانسحاب مستقبل المعاهدات الاخرى المعقودة بين البلدين كمعاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية(ستارت3) التي سينتهي العمل بها في عام(2021)، إذ ينذر انقطاع التواصل بين البلدين بعدم القدرة على تمديدها في الوقت المناسب، ما يعني تقويض أهم معاهدة للأمن الاستراتيجي العالمي، وإطلاق سباق تسلح نووي خطير. لقد برزت على الارض أولى الانعكاسات العملية للواقع الجديد، حيث عززت روسيا قواتها في مقاطعة كالينينغراد على الحدود الغربية المتاخمة لبولندا بفوج جديد من مقاتلات(سوخوي-27) تابعة لأسطول البلطيق الروسي، وذلك رداً على قيام حلف شمال الأطلسي بزيادة حشوده العسكرية في حوض البلطيق، كما ان من المتوقع ان يستتبع ذلك خطوات مماثلة من الولايات المتحدة والناتو، الامر الذي يزيد من مخاطر التصعيد بين الطرفين في اوروبا وربما في مناطق اخرى من العالم، وهو ما يهدد بتقويض السلم والامن العالميين.

 

([1]) For more details see: “Treaty Between The United States Of America And The Union Of Soviet Socialist Republics On The Elimination Of Their Intermediate-Range And Shorter-Range Missiles (INF Treaty) ”, Bureau of Arms Control, Verification And Compliance(VAC), US Department of State, Available at: https://www.state.gov/t/avc/trty/102360.htm

([2]) Yuri Matvienko, ”On the issue of the denunciation of the Intermediate-Range Nuclear Forces Treaty”, Geopolitica.ru, April 18, 2016, Available at: https://www.geopolitica.ru/en/article/issue-denunciation-intermediate-range-nuclear-forces-treaty

 

([3] ) "ما هي صواريخ "نوفاتور" الروسية مرعبة الناتو وأميركا؟"، المدى، 2/10/2018، متاح على: https://www.almada.org/%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B4%D8%B1/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D8%B5%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D9%86%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D8%B9%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86