قمة الكوريتين

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2018-05-02 16:07:33

تتميز شبه الجزيرة الكورية بطبيعة الموقع الجغرافي المحاذي لدول قوية سواء من الناحية الاقتصادية أو العسكرية ، حيث أن المنطقة تجاور كلا من الصين وروسيا وهما من القوى  الكبرى في العالم ، بالإضافة إلى  اليابان المتقدمة اقتصاديا  وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كانت شبه الجزيرة كتلة سياسية واحدة تُسمى كوريا إلا أنه بعد وقف إطلاق النار في الحرب الكورية   عام 1953 والتي راح ضحيتها  (5 ) مليون قتيل انقسمت شبه الجزيرة إلى كوريا الشمالية في النصف الشمالي لشبه الجزيرة و كوريا الجنوبية في النصف الجنوبي  . وتمتد شبه الجزيرة الكورية  باتجاه الجنوب حوالي 1,100 كم من قارة آسيا إلى داخل المحيط الهادي و محاطة ببحر اليابان ( البحر الشرقي ) من الشرق والبحر الشرقي الصيني من الجنوب والبحر الأصفر من الغرب و يصل مضيق كوريا بين بحر اليابان والبحر الشرقي الصيني  . وان مساحة  الشطرين متقاربة ، ويبلغ عدد سكان الجنوب نحو ضعف عدد سكان الشمال ( جمهورية كوريا ، أي الجنوبية يبلغ عدد سكانها قرابة 50 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد سكان جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية ، أي الشمالية ، قرابة 26 مليون نسمة) في حين أن القوات المسلحة في الشمال تبلغ 1,2 مليون جندي وهي في الجنوب تبلغ 000ر686 جندي، إضافة إلى قوات أمريكية حجمها 28 الف جندي ، وقوات أمريكية في اليابان بعدد 450ر38 جندي و من المعروف أن شطري كوريا تفصلهما ، حتى اليوم ، منطقة منزوعة السلاح عرضها 4كلم وطولها 238 كلم ، وهي من مخلفات عصر الحرب الباردة ( الحرب الكورية 1950 - 1953م ) .

تعد منطقة شبة الجزيرة الكورية من بؤر التوتر العالمي وذلك نتيجة لعوامل الجغرافيا السياسية والتاريخ ، ذلك أن هذه المنطقة كانت ، ولا تزال، منطقة تقاطع وتلاقٍ للمصالح الاستراتيجية لقوى أربع كبرى هي : الولايات المتحدة ، وروسيا الاتحادية ، والصين، واليابان ، وهذا ما يفسِّر تورط هذه القوى الكبرى في ثلاث حروب كبيرة في هذه المنطقة (1894 - 1895م) والحروب الروسية - اليابانية (1904 - 1905م) والحرب الكورية (1950 - 1953م) .

لقد كان إعلان 15 تموز 2000المشترك نقطة تحول وضعت العلاقات بين الكوريتين على مسار المصالحة والتعاون واحدث تطور واضح في علاقات الجارين في شبه الجزيرة الكورية خلال السنوات الأخيرة ولكن جهود البلدين كانت  حذرة  نسفتها حادثة البحر الأصفر التي وقعت في 29 تموز 2002 وكانت صدام مسلح بين سفن حربية للبلدين وأدى الصدام إلى غرق سفينة كورية جنوبية ، ودفنت مع غرق السفينة الآمال بتسوية العلاقات بين الشمال والجنوب إلا أن إعراب كوريا الشمالية عن أسفها كان له آثار ايجابية على علاقات البلدين .  وجاء  لقاء القمة المشترك الأول العام 2002  بمثابة أبواب جديدة للعلاقات بين الكوريتين  لقاء القمة هذا بمثابة دافع لتحسين العلاقات بين الكوريتين بعد إزالة العراقيل الموضوعة في الطريق " .

شكلت زيارة رئيس كوريا الجنوبية لكوريا الشمالية في الفترة من 28 إلى 30 آب 2007 تطوراً جديداً في العلاقات بين البلدين الشقيقين ، وعززت الفرص الايجابية لتوحيد كوريا وجمع شمل العائلات الكورية التي فرقّتها الحرب أكثر من خمسين سنة حتى الآن , مما يعني العمل على إنهاء واحدة من أعمق المشاكل وأشدها حدة وإثارة للعواطف بين الكوريتين ،حيث ركزت وزارة التوحيد في كوريا الجنوبية على تنظيم مواعيد المشروعات المشتركة بين الكوريتين. وعلى هذه الخلفية تعقد اجتماعات لجنة العمل العسكرية المشتركة بين الكوريتين للمرة الأولى خلال 2008 ، وذلك بناء على طلب من كوريا الشمالية . وتضمنت أجندة الاجتماعات عددا من القضايا العملية ، مثل : عمليات نقل البضائع بين مونسان وبونغ دونغ التي تم الاتفاق عليها خلال الاجتماع الثاني لوزيري الدفاع في البلدين.  وأيضا مناقشة مواعيد اللقاءات والاجتماعات المستقبلية بين كبار المسؤولين في الجانبين ، والتي تتركز على إنشاء منطقة صيد مشتركة في البحر الغربي ، والبدء في عمل اللجنة العسكرية المشتركة بين الجانبين . ويشار هنا إلى أن الكوريتين قد تمكنتا من التوصل إلى اتفاق حول تقديم جميع الضمانات العسكرية اللازمة لمشاريع التعاون الاقتصادي بينهما .

اليوم ونحن نشهد جلوس الزعيمين الكوريين ( مون جاي ان – كم جونغ اون) على طاولة المفاوضات في منطقة  (بانمونجوم ) هذه القرية الصغيرة الواقعة في وسط المنطقة المنزوعة السلاح على خط العرض 38 والتي وقعت فيها الهدنة نهاية الحرب الكورية ( 1950 – 1953 ) بالرغم من الصراع الايديولوجي على مدى 70 عام من الكراهية والعنف والمجاعة  والتي بداءة اليوم  تذوب كلها خلف ظهر الرئيسين وطوي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة بقرار شجاع  للإيقاف التاريخ الدامي  بين الشعب الواحد . وان عصراً جديداً من المصالحة والتعاون بدأ يتضح في شبه الجزيرة الكورية بتراجع المواجهة لصالح التعايش السلمي ، وبناء علاقات تعتمد الثقة المتبادلة هو الحل الامثل في هذه الخطوة الجريئة .لقد كان لدعم الدولي  الدور الكبير في دفع الكوريتين الى اتخاذ هذا القرار الشجاع . فالأعبين الرئيسيين ( روسيا – الصين – اليابان ) من جهة والولايات المتحدة من جهة اخرى كانت تسعى الى خفض التوتر لما له تأثير مباشر وغير مباشر على الاقتصاد العالمي وخلق مشاكل اقتصادية كبيرة للاعبين وان حلحلة المشاكل نحو الحل هو الخيار الافضل للحوار والتفاهم . ولابد ايضا ان نسلط الضوء على نجاح فريق حل الازمة الكورية للوصول الى هذا الاتفاق وتجنيب المنطقة حرب نووية محتملة في منطقة شرق اسيا . فقد نجح الجنوبيون للإيقاف البرنامج النووي الشمالي ونجح الشماليون من معالجة الازمة الاقتصادية وتدني مستوى المعيشة للفرد . كما ان المراقب  للازمة  وما ينتج عنها للمستقبل بان شطري  الكوريتين  ان توحد فانه سيصبح قوة يحسب لها حساباتها فالشمالية  قوة نووية والجنوبية قوة اقتصادية وهذه القوتيين ستكون لها الدور البارز في التوازن الدولي بالمنطقة .

ان التطورات الأخيرة في علاقات الكوريتين تثبت أن الكوريين سواء في الجنوب أم في الشمال هم كوريون , وقد نشأوا منذ أجيال بعيدة على العقيدة الكونفوشيوسية التي تركز على الناحية الاجتماعية , وترى أن العلاقات الاجتماعية لا تعتمد على سعادة واكتفاء الأفراد , بل على اندماجهم في كم اجتماعي واحد ومتماسك هو صورة موازية لتناغم المسار الطبيعي، ومثل هذه الأفكار المسبقة في اليقين الكوري العام , لا يمكن القفز من فوقها ولا تجاهلها , وان كانت المراهنة على فعاليتها العملية لم تثبت تماما على امتداد السبعين  سنة المنصرمة  إلا أن الأبرز في المجتمع الكوري عموما هو أزمة الهوية الثقافية , هذه الأزمة الناجمة بشكلٍ أو بآخر عن انقسام كوريا إلى قسمين “متعاديتين”... والكثيرون اليوم من أبناء جيل الشباب في كوريا الجنوبية يتطلعون بصراحة إلى وحدة الكوريتين ولا يتورعون عن الإعلان بأن القوتين العظميين , أي الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي السابق  كانتا السبب المباشر لانقسام كوريا , وبالتالي فهم ينظرون إلى توحيد بلاد “ الأجداد " كغاية وطنية كبرى.

 

 

 

 

                                                                                                  اللواء الركن

                                                                                             خالد عبد الغفار البياتي

                                                                                  مركز النهرين  للدراسات الاستراتيجية

                                                                                                    نيسان 2018

 ..