سوريا ساحة الصراع الاستراتيجي الدولي كيف نتصرف؟

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2018-04-23 20:15:56

ابراهيم العبادي

قبل انطلاق صواريخ توماهوك الامريكية باتجاه الاراضي السورية، كانت التوقعات تشير الى ان الضربة الامريكية لن تكون تهديدا حقيقيا لبنية النظام السوري العسكرية والامنية، وان اهدافها ذات صلة بالصراع الدولي الدائر على الارض السورية بين محوري روسيا وايران من جهة وبين المحور الامريكي الغربي الخليجي الاسرائيلي من جهة اخرى.

كانت المعارك تدور بين الاطراف المحلية لتصب مجاريها ومخرجاتها في قناتي احد المحورين، فعندما نجحت القوات السورية وداعميها في تحقيق انجاز عسكري كبير في الغوطة الشرقية، كانت المعارضة السورية المعتدلة والمتشددة، الارهابية وغير الارهابية، تحصد مرارة هزيمة قاسية وتفقد واحدة من اقوى اوراقها التفاوضية التي كانت تدعم مواقفها المتصلبة في مفاوضات استانا ومن ثم سوتشي واخرها في جنيف، وكان من الواضح ان الوفد الحكومي السوري- بعد جرعة الانتصارات المهمة - لم يعد يولي اي اعتبار لمطالب المعارضة السياسية في الانتقال السياسي ودور الرئيس بشار الاسد في المرحلة الانتقالية .

ان التحالف الغربي - الخليجي يقترب من التسليم بان المغامرة السورية تقترب من نهايتها وان روسيا وايران توشكان على تحقيق انتصار مهم فيما كان اوردغان يتحرك بسرعة غير متوقعة ليحقق مكسبا على الارض السورية من بوابة محاربة (الانفصالية الكردية) بتامين هيمنة عسكرية وشريط امني حدودي ونفوذ سياسي عند بعض فصائل المعارضة، ولم يكن الاطلسيون يتوقعون ان شريكهم التقليدي في حلف الناتو (تركيا) تستدير شرقا وتجد في مصالحها مع ايران وروسيا اولوية تنافس مصالحها مع الغرب وان اولوياتها في طريقها الى التغيير، كما أن مناكفاتها مع واشنطن وباريس وبرلين وامستردام اعادت التذكير بأن انقرة الجديدة لم تعد كسابقاتها وأن متغيرات استراتيجية كبرى تحققت مع اندفاع الروس القوي لمنع سقوط سوريا بيد المشروع الغربي - الخليجي الامر الذي يشكل انتكاسة لطموحات بوتين الاستراتيجية ومشروعه في اعادة روسيا قطبا منافسا للامريكان في اهم دوائر الجغرافيا ذات الاهمية الفائقة روسيا بعد اوربا واعني بها دائرة الشرق الاوسط .

الاسرائيليون وجدوا في المشتركات مع المشروع الخليجي (بقيادة السعودية) المنسجم مع الرؤية الامريكية والمناهض بقوة للحضور الايراني في سوريا، فرصة عظيمة لتغيير اولويات الصراع والتنافس الاقليمي في هذه المنطقة، ولان الحرب على ايران مقامرة شديدة الخطورة، كما ان التسليم بانتصار روسي ايراني في سوريا امر لايحتمل وكلفة استراتيجية عالية، لذلك اجتمعت اسباب عديدة، للمحور الغربي الاسرائيلي الخليجي لكي يستثمر الفرص المتبقية على الارض السورية وليسجل اهداف مهمة في المرمى الروسي الايراني السوري لتعويض خسارة الغوطة الشرقية ولتعويق اندفاع الجيش السوري نحو المناطق الخاضعة لسلطة المعارضة ولاحياء المطالبات بالحل السياسي للازمة على قاعدة جنيف 1 وجنيف 2 ولتوجيه رسائل انذار للايرانيين في الوقت نفسه ولتذكير الرئيس بوتين ان استراتيجيته الكبرى تنطوي على مخاطر كبرى لا يتحملها الاقتصاد الروسي وبالتالي فإن الكرملين يستطيع الاعلان عن اسلحة هجومية جديدة واستراتيجية عظمى نظريا لكنه لا يستطيع ان يدخل في مواجهة عسكرية حقيقية مع الاطلسي .

لقد نجحت المؤسسة السياسية الامريكية في جعل ترامب مستجيبا لتصوراتها وخططها وطموحاتها خلافا لما كان يفكر به (ترامب) من قبل والذي كان يردد انه لا يريد حربا تكلف امريكا خسائر بشرية ومادية كما كلفتها حروب العراق وافغانستان ما يزيد على سبعة تريليونات دولار دون ان تكسب شيئا، ترامب اذعن ان صواريخ البنتاغون موجهة وفق خطط مسبقة وأن أماني سيد البيت الابيض ستصطدم بقوة بثوابت المؤسسة السياسية - العسكرية بما سيرغم الرئيس على الاستجابة والقبول باولويات المؤسسة، لهذا تغير موقف الرئيس من الانسحاب السريع من سوريا الى بقاء مدفوع الثمن عربيا، وتطور الى هجوم محدود تحت ذريعة كيمياوي دوما بهدف بناء موقف لا يمنح الروس والايرانيين ميزة استراتيجية في مفاوضات الحل النهائي وهذا هو مطلب مشترك للغربيين والاسرائيليين والخليجيين .

وفق هذا التصور فإن الهجوم الثلاثي الامريكي البريطاني الفرنسي ومن قبله الاسرائيلي يندرج في اطار الصراع الاستراتيجي على مستقبل سوريا، فانتصار الحكم السوري على القوى المسلحة بشكل نهائي امر ممنوع وفق الحسابات الحالية وهناك استعداد لمنع النظام من استعادة كامل الاراضي السورية، بل ان سيناريوهات التقسيم لا زالت قائمة والسبب هو منع التمركز العسكري الايراني من ان يكون دائما او ان ثمن السماح للنظام بفرض سيطرته هو رحيل المستشارين والمقاتلين المحسوبين على ايران كشرط اسرائيلي -عربي - غربي و كجزء من ترتيبات الحل في المنطقة، لهذه الاسباب مجتمعة يتحتم على العراق ان يرسم مواقفه وخطواته في ضوء مصالحه الوطنية وان لا يكون جزء من محور ضد اخر رغم مشاعره الدينية والقومية، بل عليه ان يكون جسر عبور وتواصل وحوار وقناة اتصال بين المحورين ليكون في منأى عن النتائج الكارثية لهذا الصراع وليكون حجر استقرار في هذا الاقليم المضطرب. مثلما كان حجر الدومينو الاول الذي اسقط المنطقة كلها في الفوضى.