اعمار العراق بين الكويت وميونخ

التصنيف: مقالات

تاريخ النشر: 2018-03-15 18:19:14

ابراهيم العبادي

يومان فقط فصلا بين موتمر الكويت لإعادة اعمار العراق، ومنتدى ميونخ الدولي للامن، في الكويت كان العراق يتفحص كلمات وقرارات وفود الدول المشاركة والشركات الدولية التي حضرت للموتمر، ليبني اطارا لحدود توقعاته من مساهمات الدول المتبرعة والمانحة والمقرضة.

وبطبيعة الحال، فالاعمار هو صنو الأمن فكلاهما سبب للاخر، فلا أحد من أصحاب المال يجرؤ على الدخول للسوق العراقية بلا أمن شخصي وحماية اجتماعية ومدونة قانونية وإدارية مشجعة وجاذبة، ولا دولة او شركة تفكر في الاستثمار ما لم تتاكد من وجهة النظام السياسي وسياساته الامنية والاقتصادية، ووضوح الدور الخارجي والمواقف الدبلوماسية .

في الكويت طمأن المسؤول التنفيذي الاول في العراق الدكتور حيدر العبادي المستثمرين والمقرضين واعداً إياهم بتحسين بيئة الاعمال والمال وعلى كافة الاصعدة الامنية والسياسية والاقتصادية، وكان الموتمر بمثابة تظاهرة دولية لتغليب منطق المصالح الاقتصادية انطلاقا من العراق على منطق الصدام والصراع والتوتر، والذي كان العراق بؤرته ومثاله الشاخص، العراق يريد ان يكون منطقة تقاطع مصالح وتنافس مالي واقتصادي، وليس منطقة صراع محاور دولية واقليمية انهكت الجميع ودمرت امال الشعوب بمستقبل خال من شبح الحروب والصراعات.

لكن ايجابيات موتمر الكويت السياسية والمعنوية، اصطدمت بجدران من الخطاب المتشنج في ميونخ الالمانية، فبينما يدعو رئيس الوزراء العراقي الى الحذر الامني وبقاء التحالف الدولي ضد الارهاب متماسكا، لأن الارهاب ما زال يتربص بالعراق والمنطقة والعالم، فإن الولايات المتحدة واسرائيل تسعيان الى استبدال الارهاب الداعشي بايران كعدو ينبغي الاتحاد والعمل ضدها.

هذا المنطق لا يستقيم مع الرغبة المعلنة باتخاذ سياسات جادة لاقتلاع بيئة الارهاب ودوافعه ومسبباته وحواضنه، فعلى وقع اقدام الحروب المتنقلة كان الارهاب يتنامى والقاعدة وداعش تنتعشان نموا وقوة، اي ان ادخال المنطقة بصراع جديد ضد ايران وحلفائها ومؤيديها، سينعش بيئة الفكر المتطرف والصراعات المذهبية والجماعات الارهابية، والمحصلة ستكون على حساب العراق، فمفتاح استقرار المنطقة هو استقرار العراق وازدهاره الاقتصادي، ولا يعقل ان تتناقض السياسيات إلى هذا المستوى من التهور، بحيث يسمع العراقيون كلاما جميلا في الكويت، وكلاما تصعيديا في ميونخ، وكأن الولايات المتحدة تستعد لحرب طويلة الامد ناعمة الاجراءات ضد ايران، ثم يقال ان العالم مع استقرار الامن والديمقراطية في المنطقة، ان ما يهدد امن العراق ويعرقل تحسن اقتصاده هو البيئة المضطربة التي تحيط به، وأي تصعيد في سوريا او لبنان او ايران او الخليج سينعكس سلبا على عموم المنطقة ويخيف الشركات والمستثمرين ويبطئ من توجه الرساميل نحو العراق.

إن أمن المنطقة لا يتجزأ وإذا كانت واشنطن وتل ابيب متحمستان لضرب إيران، فإن الاخيرة تعرف كيف تدافع عن مصالحها، هذا يعني ببساطة ان المنطقة لن تخرج من ظلال الصراعات والحروب، ولن يجازف المال الجبان لدخول اسواقها، ونحن نتحدث عن العراق، قلب المنطقة وبوصلة اتجاهات الحرب والسلام فيها.

سنكون سعداء في العراق اذا اتيح لبلدان المنطقة ان تحل مشاكلها بنفسها وان لا تكون اسرائيل والولايات المتحدة من يرسمان وجهة الصراع القادمة، اعمار العراق لن يكون ميسورا الا بالكف عن لغة الحرب في منطقتنا .