تيران وصنافير … الخلاف السعودي المصري

التصنيف: دراسات

تاريخ النشر: 2017-10-20 18:15:34

د. مصطفى كامل / القسم السياسي

طفا على سطح الأحداث والأخبار فجأة إسم جزيرتي تيران وصنافير بعد إعلان جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية عن تعيين الحدود البحرية للبلدين وإعادتهما للملكية السعودية بعد نحو 66 عاما من وضعهما تحت الحماية المصرية في يناير 1950 بطلب سعودي،. ثار هذا الحدث الكثير من الجدل في الفترة الماضية حول تبعية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في مدخل خليج العقبة بالبحر الأحمر، بعد أن وقعت الحكومة المصرية مع نظيرتها السعودية اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية، تنتقل بموجبها الجزيرتان إلى سلطة المملكة العربية السعودية، لذا لابد من معرفة الاهمية الاستراتيجية الجزيرتين، وحجج البلدين، والسياق التاريخي في فرض السيطرة والسيادة على الجزيرتين ولماذا تريد مصر استرجعهما الى السعودية.

جزيرة تيران : هي جزيرة تقع فى مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر وتبعد عن جزيرة صنافير بنحو 2,5 كيلو متر ، تبلغ مساحة جزيرة تيران 80 كم مربع وتمتاز الجزيرة بالجزر والشعاب المرجانية العائمة كما تعد مقصدا لمحبي رياضات الغوص لصفاء مائها وجمال التشكيلات المرجانية لها وتمر خطوط الملاحة البحرية من غربها من أمام شرم الشيخ .

جزيرة صنافير : تبلغ مساحة جزيرة صنافير 33 كم مربع وتقع نحو 2,5 كيلو من جزيرة تيران[1].

 

الموقع والأهمية .

تبعد جزيرة تيران  نحو 6.1 كيلومتر من ساحل شبه جزيرة سيناء الجنوبية، وتبلغ مساحتها حوالي 80 كيلومترًا مربعًا، بينما تبعد جزيرة صنافير عنها بحوالي 2.5 كيلومتر، إلى الشرق منها، وتبلغ مساحتها حوالي 33 كيلومترًا مربعًا .

وتقابل الجزيرتان اللتان تقعا في مضيق تيران، مخرج خليج العقبة إلى البحر الأحمر، كلاًّ من شرم الشيخ ودهب في جنوب سيناء، ورأس حميد، في السواحل الغربية لتبوك في شمال المملكة العربية السعودية، ويمر خط الملاحة الدولي إلى الغرب من تيران، لأن الجهة الشرقية منها، المواجهة لصنافير والحدود السعودية، منطقة غير صالحة للملاحة.

وتصنع الجزر ثلاثة ممرات من وإلى خليج العقبة، الأول منها بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، وأقرب إلى ساحل سيناء، وهو الأصلح للملاحة عمقه 290 مترا وأسمه ممر “إنتربرايز” ، والثاني أيضا بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، ولكن أقرب إلى الجزيرة، وهو ممر “جرافتون”، وعمقه 73 مترا فقط، في حين يقع الثالث بين جزيرتي تيران وصنافير، وعمقه 16 مترا فقط .

وتعود أهمية الجزيرتَيْن إلى قيمتهما الكبرى في التأمين الدفاعي الاستراتيجي للتخم الجنوبي لشبه جزيرة سيناء والمياه الإقليمية المصرية قُبالة شمال الساحل الشرقي لمصر على البحر الأحمر. وتشكل الجزيرتان موقعا دفاعيا مهما أيضا للملكة العربية السعودية وخاصة منطقة الساحل الغربي للمملكة على البحر الأحمر بمحاذاة (راس حميد) ومنطقة (تبوك) الإستراتيجية. كما أنهما من الأهمية بمكان في صدد إغلاق خليج العقبة بالكامل في حال إندلاع أي نزاع عسكري مع إسرائيل.

لذلك فإن موقعهما المتطرف في البحر الأحمر بعيدا قليلا عن جنوب سيناء والمتحكم تماما في مضيق العقبة جعلهما هدفا دائمًا للاحتلال  الإسرائيلي [2].

 

السياق التاريخي في ملكية  للجزيرتين .

تيران وصنافير كانتا تتبعان منطقة تبوك السعودية قبل أن يقوم الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود بتأجيرهما لمصر بغرض استعمالها في الحرب، عقب استلامهما قامت القوات المصرية بالنزول على الجزيرتين وإغلاق مضيق تيران، وكان ذلك سبباً في نشوب حرب 1967. واحتلتهما إسرائيل عام 1956 ضمن الأحداث المرتبطة بالعدوان الثلاثي، ومرة أخرى في حرب 1967، وانسحبت منهما عام 1982 ضمن اتفاقية كامب ديفيد، ليصبحا تحت إدارة مصر، في وقت كانت تطالب السعودية باسترجاعهما كونهما تقعان في مياهها الإقليمية، ووفق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وُضعت الجزيرتان تحت سيطرة قوات دولية متعددة الجنسيات للتأكد من امتثال مصر وإسرائيل للأحكام الأمنية الواردة في اتفاقية السلام بينهم والمتعلقة بفتح خليج تيران[3].

لا يحق لمصر التواجد العسكري فيهما وبحسب البروتوكول العسكري لمعاهدة كامب ديفيد وُضعت كل من جزيرة صنافير وجزيرة تيران ضمن المنطقة (ج) المدنية التي لا يحق لمصر بتواجد عسكري فيها مطلقاً، وبسبب تعقيدات اتفاقية كامب ديفيد قامت السلطات المصرية بتحويل الجزيرة إلى محمية طبيعية [4].

 

ظهور الإشكالية على الجزيرتين.

 

ظهرة الاشكالية على ملكية الجزيرتين بعد توقيع  الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين فى الثامن من أبريل عام 2016 .

وحول تفاصيل الاتفاق السعودي المصري الأخير والذي نص على إعتراف مصر رسمياً بأحقية المملكة العربية السعودية في جزيرتي صنافيروتيران، كشف مجلس الوزراء في بيان رسمي أن )هذا الإنجاز (أي ترسيم الحدود) جاء بعد عمل شاق وطويل استغرق أكثر من 6 سنوات، انعقدت خلاله 11 جولة اجتماعات للجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين، آخرها ثلاث جولات عقدت منذ شهر ديسمبر 2015، عقب التوقيع على إعلان القاهرة في 30 يوليو 2015).

وبشأن الخلفية القانونية والدستورية التي اعتمد عليها الاتفاق الحدودي الجديد، قالت الحكومة إن (اللجنة اعتمدت في عملها على قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لعام 1990، بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، والذي تم إخطار الأمم المتحدة به في 2 مايو 1990، وكذلك على الخطابات المتبادلة بين الدولتين خلال نفس العام، بالإضافة إلى المرسوم الملكي السعودي الصادر في 2010 بتحديد نقاط الأساس في ذات الشأن للمملكة العربية السعودية).

وأضافت أنه (قد أسفر الرسم الفني لخط الحدود بِناءاً على المرسوم الملكي والقرار الجمهوري، عن وقوع جزيرتَي صنافير و تِيران داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية).

 

حجج السعودية القانونية بملكيتها للجزر .

تسوق المملكة العربية السعودية والحكومة المصرية الحالية عدة حجج تظهر من خلالها احقية المملكة العربية السعودية بالجزيرتين من اهمها هو قول المؤرخ الكبير الدكتور ( عاصم الدسوقي) رئيس إتحاد المؤرخين العرب : الجزيرتان كانتا تابعتين لمملكة الحجاز السابقة والتى كان يحكمها بنو هاشم وآخرهم الشريف حسين بن على وكانت تمتد من الشمال الى جنوب فلسطين فيما كان يعرف خلال الحكم العثمانى بولاية عكا، ثم حدث ان عبدالعزيز بن سعود أعلن دولته الأولى وعقب تدخل محمد على والى مصر حينها هرب مع أسرته الى الكويت، واستضافهم أمير الكويت، فى عام ١٩٠٢ وفكر عبد العزيز آل سعود فى احياء هذه الدولة وتباحث مع أمير الكويت وكانت تحت الحماية البريطانية، فنصحه أمير الكويت بأن يأخذ رأى المندوب العام البريطانى وشجعه بالفعل الحاكم الانجليزى على إقامة دولته الثانية بشرط ان تكون تحت الحماية البريطانية فعاد وأقام إمارة الرياض وعقد اتفاقية حماية عام ١٩١٩ وأخذ يتوسع فى منطقة نجد، وفى ١٩٢٦ قام عبدالعزيز آل سعود بالاستيلاء على الحجاز من الشريف حسين وبالتالى اصبح ما يتبع الحجاز يتبع المملكة العربية السعودية وهنا انتقلت تبعية صنافير وتيران الى السيادة السعودية[5].

و كذلك يستشهد البلدان بنص الوثيقة التاريخية التي نشرها العالم المصري المؤرخ جمال حمدان في موسوعة (شخصية مصر) وكتابه (سيناء في الإستراتيجية والسياسة)، والذي يعد أشهر وثيقة تاريخة تعتمد عليها مصر في كافة المحافل الدولية في ترسيم حدود مصر مع كافة الدول المجاورة.وهو ما أكده نصا وبالمستندات كتاب الدكتور(عمرو عبد الفتاح خليل) (مضيق تيران فى ضوء احكام القانون الدولى ومبادئ معاهدة السلام) وجاء في نص الوثيقة أنه عقب إنتهاء الحرب الفلسطينية قامت مصر باتخاذ إجراءات حمائية عام 1950 من شأنها حماية الحدود والشواطئ المصرية وتفتيش السفن والطائرات وضبط أي معدات عسكرية معادية.

ونصت الوثيقة التاريخية صراحة على أن مصر قامت باحتلال جزيرتي تيران وصنافير بالاتفاق مع الجانب السعودي، لفرض الرقابة على الملاحة البحرية، وأكد حمدان في وثيقته أن إسرائيل تقدمت بشكوى للأمم المتحدة ومجلس الأمن ضد احتلال مصر للجزيرتين، وأن مصر اعترفت أمام الأمم المتحدة بأحقية السعودية في هذه الجزيرة.

واستمر الأمر كذلك حتى عام 1967 حيث تمكنت قوات إاسرائيل من احتلال (تيران وصنافير)، وعقب الانتصار المصري في حرب اكتوبر73، دخلت الجزيرتان في البروتوكول العسكري لمعاهدة (كامب ديفيد)، حيث وضعت كل من جزيرة صنافير وجزيرة تيران ضمن المنطقة (ج) المدنية التي لا يحق لمصر أي وجود عسكري فيها حتى تضمن إسرائيل أن مصر لن تتحكم بهذه المنطقة الحيوية من البحر الأحمر.

بعد نجاح مصر في إستعادة كافة أراضيها المحتلة من قبل إسرائيل في 1982 عبر تنفيذ إتفاقية السلام المصرية الإسرايلية وكذلك عبر التحكيم الدولي في شأن “طابا” . أدركت المملكة العربية السعودية أنه قد حان الوقت لاستعادة سيادتها على الجزيرتين مع حلول السلام بين مصر وإسرائيل وانتهاء المخاطر العسكرية المباشرة . ولذا بدأت بالتحدث مع مصر في شأن إعادة  تيران وصنافير  لها وكان ذلك في لقاء بين وزيري الخارجية المصري عصمت عبد المجيد والسعودي سعود الفيصل على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 1988 .ثم عبر سلسلة من الخطابات المتبادلة بين الوزيرين عام 1989 وهذا نص الخطابات:

وذلك عبر خطابات من وزير الخارجية السعودى الأسبق سعود الفيصل، إلى الدكتور عصمت عبد المجيد وزير الخارجية الأسبق، وكذلك الدكتور عاطف صدقى رئيس مجلس وزراء مصر الأسبق.

تقول الوثيقة الأولى التى أرسلها سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية إلى عصمت عبد المجيد وزير خارجية مصر الأسبق: (أنه بناء على الاتفاق الذي جرى بين البلدين ” مصر – السعودية ) حول جزيرتى تيران وصنافير ، فى عام 1369 هجرية ، الموافق عام 1950 ، لرغبة حكومة البلدين فى تعزيز الموقف العسكري العربي فى مواجهة الكيان الصهيونى، نظرا لموقع هاتين الجزيرتين الاستراتيجى، فقد وافقت المملكة العربية السعودية على أن تحت الإرادة المصرية، من أجل تقوية الدفاعات العسكرية المصرية فى سيناء، ومدخل خليج العقبة، خاصة وأن العصابات الصهيونية احتلت ميناء أم الرشراش، فى 9 مارس 1949، وما تبع ذلك من وجود عصابات لإسرائيل فى منطقة خليج العقبة .

خطاب وزير الخارجية السعودى لـ (عصمت عبد المجيد) بشأن تيران وصنافيروأضافت الوثيقة : ( فى الوقت الذي بدأت فيه جمهورية مصر العربية استعادة الأراضى المحتلة بعد عام 1967، تلقى الملك خالد بن عبد العزيز رسالة من الرئيس السودانى الأسبق جعفر النميرى، تتضمن رجاء الرئيس حسنى مبارك بعدم إثارة موضوع الجزيرتين حتى يتم الانسحاب الكامل لإسرائيل من الأراضى المصرية ، وتبقى مسألة عربية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية) .

واستكملت الوثيقة على لسان وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل : ( إننى على يقين أن العلاقات الطيبة القائمة بين البلدين الشقيقين، والتى تحرص حكومتينا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وأخيه فخامة الرئيس محمد حسنى مبارك على تطويرها وتنميتها بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، سوف تهيئ فرصة طيبة لحكومة جمهورية مصر العربية الشقيقة بإعادة الجزيرتين المذكورتين إلى حكومة المملكة العربية السعودية ).

وفي رسالة أخرى موجهة من الأمير سعود الفيصل إلى الدكتور عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصرى الأسبق تقول: (أنه بناء على الاتصالات التى جرت بينى وبين معاليكم وآخرها كان فى نيويورك 1409 ، والذى تطرق إلى بحث موضوع جزيرتى تيران وصنافير التابعتين للمملكة العربية السعودية، حيث أبديتم عدم اعتراض أو تحفظ لديكم فيما يخص سيادة المملكة على هاتين الجزيرتين، سوى ما قد يتعارض مع التزامات مصر الاقليمية والدولية، التى تقتضى بعدم تواجد أى قوات عسكرية بهما، وأود أن أبدى لمعاليكم أن حكومة المملكة العربية السعودية، لا تنوى خلق ظروف قد تؤثر على المنهج الذى رسمته مصر الشقيقة لسياساتها الخارجية ، وكل ما فى الأمر هو عودة الجزيرتين بعد أن انتهت أسبب الإعارة.

موجهة من الأمير سعود الفيصل إلى الدكتور عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصرى الأسبق :-

وأضافت الوثيقة: (كما سبق وأثرت فى كتابى السابق لمعاليكم، فإن أى نظرة خاصة لهاتين الجزيريتن السعوديتين من جانب حكومة جمهورية مصر العربية تفرضها طبيعة وضع معين، يستدعى أن يبقيا تحت إرادة جمهورية مصر العربية إلى أن تحتاج المملكة لها سينال من جانب حكومة المملكة ماهو جدير به من اهتمام وستنظر فيه بكل تبصر، ولذا فإذا وافق معاليكم، فإننى أود اعتبار خطابى هذا وجاوب معاليكم على ما ورد به يشكل اتفاق بين المملكة العربية السعودية ومصر ، وفى هذا الشأن) .

وجاء في خطاب ثالث موجه من وزير الخارجية المصرى الدكتور عصمت عبد المجيد إلى الدكتور عاطف صدقى رئيس الوزاراء الأسبق فى فبراير 1990 يقول خلاله: “تلقيت فى تاريخ 14 سبتمبر 1988، رسالة من الأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية تناولت وجهة نظر المملكة فى موضوع جزيرتى تيران وصنافير بمدخل خليج العقبة، وأن السعودية تطلب من مصر الاعتراف بتبعية الجزيرتين للمملكة ، وأى نظرة خاصة لهاتين الجزيرتين السعوديتين من جانب حكومة مصر تفرضها طبيعة وضع معين يستدعى أن تبقيا تحت إرادة جمهورية مصر العربية وإلى أن تحتاج المملكة لهما سينال من جانب الحكومة السعودية ماهو جدير به من اهتمام وسينظر فيه بكل تبصر .

وأضاف وزير الخارجية المصرى :   (وزير الخارجية السعودى عاود الكتابة إلينا فى هذا الموضوع بتاريخ 6 اغسطس عام 1989 وأشار إلى ما دار بيننا فى سبتمبر 1988 فى نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وتطرق إلى مطلبهم فى اعترافنا بسيادتهم على الجزيرتين ، وإلى بلاغى له عندئذ اننا نتناول مسألة السيادة على الجزيرتين من منظور أهمية عدم تعارض وضع السيادة مع التزامات مصر الاقليمية والدولية ، التى تقتضى عدم تواجد أى قوات عسكرية بناء على اتفاقية السلام مع الجانب الاسرائيلى ) .

واستكمل: (أكدت رسالة الأمير سعود الفيصل أن المملكة لن تتبنى سياسة قد تؤثر على النهج الذى رسمته مصر لسياستها الخارجية ، وكل ما فى الامر هو عودة الجزيرتين بعد أن انتهت أسباب الإعارة، وكررت الرسالة أيضا الموقف السعودى السابق الإبلاغ به عن أنه إذا تطلب الأمر بقاء الجزيرتين تحت إدارة مصر ، وإلى أن تحتاج السعودية لهما ،فإن هذا سينال من جانبهم ماهو جدير به من اهتمام).

واستطرد وزير الخارجية المصرى: (وزارة الخارجية قامت بدراسة الطلب السعودى فى ضوء أحكام القانون الدولى من ناحية ، والظروف السياسية والعلاقات المصرية الاسرائيلية من ناحية أخرى ، وقد تدارست الموضوع بصفة خاصة مع الدكتور مفيد شهاب رئيس قسم القانون الدولى بجامعة القاهرة، حيث اتفق فى الرأى على عدد من الحقائق نتشرف برفعها إليكم، وهى أن مصر قامت فى فبراير عام 1950 باحتلال جزيرتى تيران وصنافير، وأبلغت الحكومتين الأمريكية والبريطانية بهذا الموقف، ولجأت إليه فى ضوء المحاولات التى قررت من جانب السلطات الإسرائيلية تجاه الجزيرتين، وأن هذه الخطوة تمت بالاتفاق مع حكومة المملكة، وقام الملك عبد العزيز آل سعود بإرسال برقية إلى الوزير المفوض السعودى فى القاهرة فبراير 1950 تضمنت قوله أنه يريد نزول القوة المصرية فى الجزيرتين  تيران وصنافير  لأن هاتين الجزيرتين كانتا مقلقتين لنا كما هو مقلق لمصر، وما دام أن الهم هو المحافظة عليهما، فوجود القوة المصرية فيها قد أزال ذلك القلق) [6].

 

 

حجج الشعب المصري بحق ملكية مصر للجزر .

ان الحكومة المصرية الحالية تقر بان لا ملكية لمصر على الجزيرتين ونشرت الحكومة المصرية عدة وثائق تزعم إثباتها الملكية التاريخية للمملكة العربية السعودية، من بينها مقال بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية وقرار لرئيس الجمهورية الأسبق محمد حسني مبارك بترسيم الحدود البحرية عام 1990، لكن هذه الوثائق لم تقنع الفريق المدافع عن مصرية الجزيرتين وظل الفريقان يبحثان عن أدلة أكثر وضوحا وقطعية.

ومن خلال البحث المستمر توصل الصحفي المصري (آدم ياسين) إلى نص محضر جلسة الأمم المتحدة المنعقدة في 15 فبراير عام 1954، حول جزيرتي تيران وصنافير وأحقية مصر في التحكم في خليج العقبة. وحسمت وثيقة الأمم المتحدة هذا الجدل الدائر وأكدت بما لا يدع مجال للشك مصرية الجزيرتين، على لسان سفير مصر لدى الأمم المتحدة، الذي فند الادعاءات الإسرائيلية بعدم ملكية مصر للجزيرتين، وأكد سيطرة مصر على الجزيرتين منذ عام 1841 مرورا باتفاقية سايكس بيكو ثم الحرب العالمية الثانية وحرب 1948 إلى وقت الجلسة عام 1954، وأكدت المذكرة المصرية المقدمة للأمم المتحدة عام 1954 في البند 60 أن السجلات الرسمية للحرب العالمية الثانية تثبت وجود القوات المصرية على الجزيرتين كجزء من النظام الدفاعي المصري خلال تلك الحرب، وقد تعاونت تلك الوحدات المصرية مع القوات الجوية والوحدات البحرية بمهمة حماية النقل البحري في البحر الأحمر ضد هجمات الغواصات. وفند السفير المصري الإدعاء الإسرائيلي باحتلال مصر المفاجئ للجزيرتين عام 1950، وأكد أن الجزيرتين تقعان تحت السيادة المصرية منذ عام 1906، وأشار البند 132 من المذكرة المصرية إلى أنه في عام 1906 تم ترسيم الحدود بين مصر والإمبراطورية العثمانية، ولأسباب “تقنية” شرعت مصر في احتلال الجزيرتين، وذكر البند أن هذا الاحتلال كان مثار لتبادل الآراء والرسائل بين الإمبراطورية العثمانية والحكومة المصرية الخديوية، وأصبح الأمر حقيقة واقعة ثابتة منذ ذلك الوقت بالسيادة المصرية على الجزيرتين،وأكد البند 133 على أن مصر اتفقت مع السعودية على احتلال الجزيرتين وأنهما يمثلان جزء لا يتجزأ من الأراضي المصرية، وقال السفير المصري “أبرمت اتفاقية بين مصر والسعودية أكدت ما أسميه، ليس ضم وإنما احتلال الجزيرتين، والأهم من ذلك الاعتراف بأن الجزيرتين تمثلان جزء “لا يتجزأ من الأراضي المصرية[7].

واقع جزيرة تيران وصنافير بعد توقيع إتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية .

طبقا للدستور المصري فإن الإتفاقية برمتها ستحال إلي مجلس النواب من أجل إقرارها من عدمه ففي حال إقرار الإتفاقية تصبح نافذة وتصبح جزيرة تيران وصنافير تحت السيادة السعودية، وفى حال رفضها تظل جزيرة صنافير وتيران تابعة لمصر ويحق وقتها للسعودية إن أرادت اللجوء للتحكيم الدولي من أجل إسترداد الجزيرتين وهو مالم لا تتمناه مصر كون ذلك قد يؤثر على العلاقات بين مصر والسعودية حيث أن الأقرب هو تمرير الإتفاقية فى مجلس النواب والذي سيعكف على دراستها بشكل قوي .

 

الموقف المصري الان .

أصدر مجلس الوزراء المصري برئاسة شريف إسماعيل بيانًا الخميس 29/12/2016، بشأن تحويل اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين مصر والمملكة العربية السعودية لمجلس النواب للبت فيه، حيث جاء في البيان: (إنه فيما يتعلق باتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية الموقعة في القاهرة في 18 إبريل 20166، فقد وافق المجلس في جلسته اليوم على الاتفاقية، وأحالها لمجلس النواب، طبقًا للإجراءات الدستورية المعمول بها في هذا الشأن).

تأتي هذه الخطوة قبيل ساعات معدودة من حكم (محكمة القاهرة للأمور المستعجلة)، والمتعلق باستمرار العمل بالاتفاقية الموقعة، وتأييد نقل سيادة الجزيرتين للسعودية، إذ قضت بوقف تنفيذ حكم “مصرية تيران وصنافير” الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري في يونيو الماضي، وقضى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية.

وقد كانت محكمة القضاء الإداري، أصدرت في يونيو من عام 2016، حكماً ببطلان توقيع ممثل الحكومة على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية واستمرار السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير. وتضمن نص الحكم إلزام الدولة بتنفيذ الحكم، ثم تم تأييد هذا الحكم للمرة الثانية على التوالي في نوفمبر من نفس العام.

أزمة دستورية في مصر .

قرار الحكومة الأخير بإحالة اتفاقية ترسيم الحدود للبرلمان وصفه البعض بأنه محاولة لتوريط مجلس النواب المصري من خلال الصدام بينه وبين السلطة القضائية، حيث رأي بعض السياسيين أنه في حال الموافقة على الاتفاقية المقدمة من الحكومة، سيصطدم البرلمان بمؤسسات القضاء، وذلك في أعقاب إصدار محكمة القضاء الإداري حكمين بإلغاء الاتفاقية، ما يعرض الدولة لأزمة دستورية طاحنة.

داعمو هذا الرأي يحذرون من مخاطر نظر البرلمان لهذا القرار، لأنه سيعد انتهاكًا لمبدأ الفصل بين السلطات، وإهدارًا لحجية الأحكام القضائية، ويمكن أن يكون سندًا قانونيًّا كافيًا لحله، ملفتين أن التدخل النيابي الآن هو تدخل في سير العدالة، ليس بهدف تنظيم الواقع بقواعد عامة مجردة، تتسم بعدم التخصص، بل هو تدخل لتمرير محتوى محدد لحالة محددة، مخصصة بذاتها، ما يفقد القانون كل سماته، ويعدمه تمامًا[8].

 

مناورة مصرية للحصول على المكاسب .

فريق من الداعمين للنظام الحالي يرى أن هذا القرار مواصلة للمناورة التكتيكية التي يقوم بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع المملكة العربية السعودية، خاصة بعد توتر العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة بصورة غير مسبوقة، ما كان له الأثر السيئ على مكانة كلتا الدولتين إقليميا- سياسيا واقتصاديا وأمنيا-.

أنصار هذا التوجه يبررون ما تقوم به الحكومة من استخدام الأوراق السياسية المتاحة للضغط على السعودية للحصول على أكبر قدر من المكاسب، خاصة بعد إجادة الرياض اللعب بما لديها من أوراق لاسيما المتعلقة بالنفط، وليس ما حدث من وقف إمدادات شركة أرامكو النفطية للقاهرة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ببعيد.

كما يرى فريق مواز أن الاتفاقية جاءت استجابة للشروط السعودية المقدمة من أجل استمرار الدعم المقدم للقاهرة، وهو ما رأته الجهات السيادية المصرية خط أحمر، لاسيما في الوقت الراهن، حيث الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمثل الدعم الخليجي أحد أبرز مقومات التعافي منها، ومن ثم لا يمكن التضحية بهذا الدعم مهما كانت الأسباب، وهو ما دفع نظام السيسي إلى قبول الضغوط السعودية لفترة ما حتى يتم الحصول على الدعم، ثم يلقي بالكرة في ملعب القضاء والبرلمان والحكومة، ليقولوا كلمتهم النهائية، وتظل هذه الاتفاقية أسيرة منصات المحاكم ولجان مجلس النواب وأجهزة الحكومة حتى تحصل القاهرة على ما تريد، وتلعب بها كورقة ضغط في أي وقت تتراجع فيها الرياض على التزاماتها.

وفي المقابل هناك من يرى أن موافقة الحكومة المصرية على الاتفاقية جاء رضوخا للضغوط الممارسة من أجل تحسين أجواء العلاقات مع الرياض، لاسيما الإماراتية والكويتية، وهو ما تم الكشف عنه مؤخرا من خلال جهود الوساطة من قبل حكام الإمارات والكويت لتقريب وجهات النظر بين القاهرة والرياض.

قرار حكومة إسماعيل يأتي بعد يوم واحد فقط من الزيارة المفاجئة التي قام بها وفد مصري رفيع المستوى بطائرة خاصة إلى العاصمة السعودية الرياض، الأربعاء الماضي، في جولة خاطفة استغرقت عدة ساعات، التقى خلالها عددًا من المسئولين بالديوان الملكي السعودي، لبحث آخر المستجدات على الساحة العربية والشرق أوسطية، وسبل تقريب وجهات النظر حيال القضايا الخلافية كخطوة أولى نحو إذابة الجليد في العلاقات بين البلدين.

الزيارة المفاجئة هي الأخرى جاءت بعد ساعات قليلة من الزيارة السرية للوفد السعودي الذي ضم أربعة أشخاص برئاسة المستشار بالديوان الملكي السعودي تركي بن عبد المحسن آل الشيخ للقاهرة الأحد الماضي، والتي كشف عنها عطل فني بالطائرة بحسب مصدر ملاحي بمطار القاهرة الدولي.

أنصار هذا الفريق يرون أن الخطوة التي أقدمت عليها القاهرة كانت استجابة سريعة لجهود الوساطة الإقليمية التي سعت إلى تخفيف حدة التوتر بين البلدين، خاصة في ظل المستجدات السياسية والأمنية التي فرضت نفسها على الساحة الإقليمية، والتي تدفع الجانبين، إلى تنحية الخلافات جانبًا من أجل التصدي للتحديات الراهنة، أبرزها تنامي الدور الإيراني والروسي والتركي على حساب الدور المصري والسعودي[9].

 

المصادر

[1] موقع وتاريخ جزيرة تيران وصنافير ومساحة الجزيرتين ،موقع نجوم مصر،https://www.nmisr.com

[2] تاريخ جزيرتي «تيران وصنافير» بين مصر والسعودية، موقع اخبار مصر،2016/04/09، http://www.egynews.net/872913/

[3] ناجي هدهود،حقيقة موضوع جزيرة تيران وصنافير، جريدة النافذة بوست، http://elnafezapost.com/ArticleView.aspx?CatID=13&NewsID=3230

[4] مصر: جزيرتا صنافير وتيران تقعان في المياه الإقليمية السعودية،Apr 9, 2016،http://ara.reuters.com/

[5] محمود القيعي، د. عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث، APRIL 11, 2016، صحيفة رأي اليوم،http://www.raialyoum.com/?p=421234

[6] موقع وتاريخ جزيرة تيران وصنافير ومساحة الجزيرتين ،موقع نجوم مصر،https://www.nmisr.com

 

[7] مفاجأة.. وثائق الأمم المتحدة تحسم الجدل حول تبعية جزيرتي تيران وصنافير، : https://arabic.sputniknews.com/arab_world/201604191018413160/

[8] السيد سعد ،الحكومة تورط البرلمان مع القضاء.. وتعرضه لخطر الحل،السبت 31 ديسمبر, 2016،موقع البديل،http://elbadil.com/2016/12/31

[9] عماد عنان، لماذا صادق مجلس الوزراء المصري فجأة على اتفاق التنازل عن تيران وصنافير ؟، موقع نون بوست، 01 يناير 2017، http://www.noonpost.org/content/15947